٦ - أنه قد جهل ما خص به آدم من استعداده العلمي والعملي أكثر من سواه، ومن تشريفه بأمر الملائكة بالسجود له، فكان بذلك أفضل منهم، وهم أفضل من إبليس بعنصر الخلقة وبالطاعة لربهم، وكل ما قدمنا مبني على أن الأمر بالسجود أمر تكليف، وأنه قد وقع حوار بين الله وإبليس، ويرى كثير من العلماء أن القصة بيان لغرائز البشر والملائكة والشيطان؛ إذ جعل الملائكة - وهم المدبرون لأمور الأرض بإذن ربهم - مسخرين لآدم وذريته، وجعل هذا النوع الإنساني مستعدا للانتفاع بالأرض كلها بعلمه بسنن الله فيها وعمله بهذه السنن، فالانتفاع بمائها وهوائها، ومعادنها ونباتها وحيوانها، وكهربائها ونورها، وبذلك ظهرت حكمة الله وآياته فيها كما اصطفى بعض أفراده، وخصهم بوحيه ورسالته، وجعلهم مبشرين بدينه وهديه، وجعل الشيطان عاصيا متمردا على الإنسان وعدوا له، وجعل النفوس البشرية وسطا بين النفوس الملكية المفطورة على طاعة الله تعالى، وإقامة سننه في صلاح الخلق، وبين روح الجن الذي يغلب على شرارهم - وهم الشياطين - التمرد والعصيان، كما أنه آتى الإنسان إرادة واختيارا وإن شاء صعد إلى أفق الملائكة، وإن أراد هبط إلى أفق الشيطان.
فائدة: قال هنا (١): ﴿ما مَنَعَكَ﴾ وفي سورة الحجر: ﴿قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ وفي سورة ص: ﴿ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ..﴾ الآية. اختلاف العبارات عند الحكاية: دل على أن اللعين قد أدرج في معصية واحدة ثلاث معاص: مخالفة الأمر، ومفارقة الجماعة، والاستكبار مع تحقير آدم. وقد وبخ على كل واحدة منها، لكن اقتصر عند الحكاية في كل موطن على ما ذكر فيه: اكتفاء بما ذكر في موطن آخر، وقد تركت حكاية التوبيخ رأسا في سورة البقرة والإسراء والكهف وطه اهـ «أبو السعود» انتهت.
١٣ - ﴿قالَ﴾ المولى سبحانه وتعالى للعين عليه لعائن الله ﴿فَاهْبِطْ مِنْها﴾؛ أي (٢): بسبب عصيانك لأمري وخروجك عن طاعتي اهبط وانزل من الجنة، وقيل: من

(١) الصاوي.
(٢) ابن كثير.


الصفحة التالية
Icon