والممهلين إلى يوم النفخة الأولى حين يموت الخلائق كلهم بدليل قوله تعالى في سورة الحجر: ﴿فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨)﴾ وهو وقت النفخة الأولى، والموت حينئذ ممكن فيموت كغيره.
والخلاصة: أن إبليس يموت عقب النخفة الأولى التي يتلوها خراب هذه الأرض كما قال في سورة الحاقة: ﴿فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤)﴾ ولا يبقى إلى يوم البعث.
١٦ - ﴿قالَ﴾ إبليس اللعين ﴿فَبِما أَغْوَيْتَنِي﴾ وأضللتني؛ أي: فبسبب إغوائك وإضلالك إياي يا رب؛ لأجل آدم وذريته أقسم لك بقولي: ﴿لَأَقْعُدَنَّ﴾؛ أي: لأجلسن مترصدا ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: لآدم وذريته ﴿صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾؛ أي: على طريقك الحق الموصل لهم إلى الجنة مترصدا لهم كما يقعد القطاع على الطريق انتهابا للمارة. قال في «الجمل»: فغرض (١) إبليس اللعين بهذا أخذ ثأره منهم؛ لأنه لما طرد ومقت بسببهم على ما تقدم.. أحب أن ينتقم منهم أخذا بالثأر. وفي «السمين»: والمعنى: فبسبب وقوعي في الغيّ لأجتهدن في غوايتهم حتى يفسدوا بسببي كما فسدت بسببهم.
والمعنى: فبسبب إغوائك إياي لأجلهم؛ لأقعدنّ لهم على صراطك المستقيم، فأصدنهم عنه وأقطعنه عليهم بأن أزين لهم طرقا أخرى أشرعها لهم من جوانب هذا الطريق حتى يضلوا عنه، وهذا ما عناه سبحانه بقوله:
١٧ - ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾؛ أي: لأشككنهم (٢) في الآخرة بأن لا بعث ولا حساب، ولا جنة ولا نار ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ؛﴾ أي: لأرغبنهم في الدنيا، وأزيننها لهم بأنها لا تفنى، وآمرنهم بالجمع لها، والمنع والبخل والفساد ﴿وَعَنْ أَيْمانِهِمْ﴾؛ أي: ولأشبّهنّ عليهم أمر دينهم وأمنعنهم من الحسنات ﴿وَعَنْ شَمائِلِهِمْ﴾؛ أي: ولأزينن لهم المعاصي، وآمرنهم بالسيئات، قال الطبري: معناه: لآتينهم (٣) من جميع وجوه الحق والباطل، فأصدنهم عن الحق، وأحسنن لهم الباطل. قال ابن عباس: ولا

(١) الفتوحات.
(٢) تنوير المقباس.
(٣) ابن جرير.


الصفحة التالية
Icon