روي من ذلك مأخوذ من الإسرائيليات، وما روي في «الصحيحين» عن أبي هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج» فهو من باب التمثيل على حد قوله: ﴿خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ والدليل على ذلك قوله بعد: «فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا».
فإنه لا شك أن المراد منه: لا تحاولوا تقويم النساء بالشدة والغلظة في المعاملة انتهى.
﴿فَكُلا﴾؛ أنتما يا آدم وحواء من ثمار الجنة ﴿مِنْ حَيْثُ شِئْتُما﴾؛ أي: من أي مكان أردتما الأكل منه، وفي أي وقت شئتما ﴿وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ من حيث الأكل منهما ﴿فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ لأنفسهم الضارين لها بتعريضها للعقوبة؛ أي: فتصيرا من الضارين لها.
والنهي عن القرب إلى الشيء أبلغ أثرا من النهي عن الشيء نفسه؛ إذ أنه يقتضي البعد عن موارد الشبهات التي تغرى به، كما جاء في الحديث: «ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه».
وقد أبهم سبحانه وتعالى هذه الشجرة، ولو كان في تعيينها خير لنا لعينها، وقد علل القرآن النهي عنها بأنهما إذا اقتربا منها كانا من الظالمين، لأنفسهما بفعلهما ما يعاقبان عليه، ولو بالحرمان من رغد العيش، وما يعقبه من التعب والمشقة.
فإن قلت: لم قال هنا: ﴿فَكُلا﴾ بالفاء، وفي البقرة ﴿وَكُلا﴾ بالواو؟
قلت: لا منافاة بين الحرفين؛ لأن الواو للجمع المطلق، فتحمل على إحدى معانيها التي هي عطف اللاحق على السابق، فتتحد مع الفاء في المعنى الذي هو الترتيب. فإن قلت (١): لم حذف ﴿رَغَدًا﴾ هنا على سبيل الاختصار، وأثبت في البقرة؟
قلت: لأن تلك مدنية وهذه مكية، فوفى المعنى هنا باللفظ.