كان مستورا عنهما من عوراتهما، فإنهما كانا لا يريان عورة أنفسهما، ولا يراها أحدهما من الآخر. قيل: إنما بدت عوراتهما لهما لا لغيرهما، وكان عليهما نور يمنع رؤيتها، وإنما لم تقلب (١) الواو في ﴿وُورِيَ﴾ همزة؛ لأن الثانية مدة مأخوذة من المواراة؛ وهي الستر يقال: واريته بمعنى سترته، والسوءة فرج الرجل والمرأة، سمي بذلك؛ لأن ظهوره يسوء الإنسان. وفي الآية دليل على أن كشف العورة من المنكرات المحرمات، واللام في قوله: ﴿لِيُبْدِيَ لَهُما﴾: لام العاقبة؛ وذلك لأن إبليس لم يقصد بالوسوسة ظهور عوراتهما، وإنما كان حملهما على المعصية فقط، فكان عاقبة أمرهما أن بدت عوراتهما. ﴿وَقالَ﴾ إبليس لآدم وحواء فيما وسوسهما به ﴿ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ﴾؛ أي: ما منعكما ربكما عن الأكل من هذه الشجرة ﴿إِلَّا﴾ لأحد أمرين كراهة ﴿أَنْ تَكُونا﴾ بالأكل منها ﴿مَلَكَيْنِ﴾؛ أي: كالملكين فيما أوتي الملائكة من الخصائص والمزايا كالقوة، وطول البقاء، وعدم التأثر بتأثيرات الكون المؤلمة المتعبة ﴿أَوْ﴾ كراهة ﴿أن تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ﴾ في الجنة؛ أي: من الذين لا يموتون البتة، ويبقون في الجنة ساكنين يعني (٢): إنما نهاكما عن هذه الشجرة لكي لا تكونا ملكين من الملائكة تعلمان الخير والشر، أو تكونا من الباقين الذين لا يموتون، وإنما أطمع إبليس آدم بهذه الآية؛ لأنه علم أن الملائكة لهم المنزلة والقرب من العرش، فاستشرف لذلك آدم، وأحب أن يعيش مع الملائكة لطول أعمارهم، أو يكون مع الخالدين الذين لا يموتون أبدا.
وفي الآية (٣): إيماء إلى تفضيل الملائكة على آدم، وخصصه بعضهم بملائكة السماء والعرش والكرسي، من العالين المقربين، دون ملائكة الأرض المسخرين لتدبير أمورها، وإحكام نظامها.
وقرأ الجمهور (٤): ﴿وُورِيَ﴾ وقرأ عبد الله: ﴿أوري﴾ - بإبدال الواو همزة وهو بدل جائز -. وقرأ ابن وثاب: ﴿ما وري﴾ - بواو مضمومة من غير واو
(٢) الخازن.
(٣) المراغي.
(٤) البحر المحيط.