وقرأ ابن وثاب وإبراهيم: ﴿لا يفتننكم﴾ - بضم حرف المضارعة - من أفتنه بمعنى حمله على الفتنة. وقرأ زيد بن علي: ﴿لا يَفْتِنَنَّكُمُ﴾ - بغير نون توكيد - اه «سمين» وقوله: ﴿يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما﴾ حال من الضمير في ﴿أَخْرَجَ﴾، أو من ﴿أَبَوَيْكُمْ﴾؛ لأن الجملة فيها ضمير الشيطان، وضمير الأبوين؛ أي: حالة كون الشيطان ينزع ويسقط عن أبويكم لباسهما؛ أي: حالة كونه تسبب في سقوط لباسهما عنهما بأمرهما بالأكل من الشجرة ﴿لِيُرِيَهُما﴾؛ أي: ليظهر لهما ﴿سَوْآتِهِما﴾؛ أي: عوراتهما أي: ليري آدم سوأة حواء، وترى هي سوأة آدم؛ أي: أنه أخرجهما من الجنة، وكان سببا في نزع لباسهما من ثياب الجنة، أو مما اتخذاه لباسا لهما من ورق الجنة؛ لأجل أن يريهما سؤاتهما، وفي ذلك إيماء إلى أنهما كانا يعيشان عريانين بعدما أهبطا إلى الأرض؛ لأنه ليس في الأرض ثياب تصنع، وليس هناك إلا أوراق الأشجار، وعلماء العاديات والآثار يحكمون حكما جازما بأن البشر قبل اهتدائهم إلى الصناعات كانوا يعيشون عراة، ثم اكتسوا بورق الشجر وجلود الحيوان التي يصطادونها، ولا يزال المتوحشون منهم إلى الآن يعيشون كذلك.
وقوله: ﴿إِنَّهُ يَراكُمْ﴾ تعليل للتحرز من الشيطان اللازم للنهي، كأنه قيل: فاحذروه لأنه يراكم ﴿هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ﴾؛ أي أن إبليس وجنوده وأعوانه من شياطين الجن يرونكم يا بني آدم من مكان لا ترونهم فيه، والضرر إذا جاء من حيث لا يرى كان خطره أشد، ووجوب العناية باتقائه أعظم، كما يرى ذلك في بعض الأوبئة التي ثبت وجودها في هذا العصر بالمجهر، فإنها تنفذ إلى الأجسام بنقل الذباب، أو البعوض، أو مع الطعام أو الشراب، أو الهواء، فتتوالد وتنمو بسرعة، وقد تسبب للإنسان أمراضا مستعصية العلاج كالحمى الصفراء، والسل والسرطان إلى غير ذلك.
وفعل جنة الشياطين في أرواح البشر كفعل هذه الجنة التي يسميها الأطباء الميكروبات في الأجسام، فكلاهما يؤثر من حيث لا يرى فيتقى، والثانية تتقى بالأخذ بنصائح الأطباء، واستعمال الوسائل العلاجية الواقية، والأولى تتقى أيضا