وجهه له وحده في العبادة، ودعاه مخلصا له الدين لا يشرك به أحدا ﴿وَ﴾ أضل ﴿فَرِيقًا﴾ آخر منكم ﴿حَقَّ﴾ وثبت ﴿عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾ أزلا؛ لاتباعهم إغواء الشيطان، وإعراضهم عن طاعة بارئهم، وكل فريق يموت على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه.
وقرأ أبي: ﴿تعودون فريقين فريقا هدى﴾. وقيل المعنى: ﴿كَما بَدَأَكُمْ﴾ في (١) الخلق شقيا وسعيدا، فكذلك ﴿تَعُودُونَ﴾ سعداء وأشقياء يدل على صحة هذا المعنى قوله: ﴿فَرِيقًا هَدى﴾؛ أي: أرشد إلى دينه، وهم أولياؤه ﴿وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾؛ أي: أضلهم، وهم أولياء الشياطين، أو المعنى: كما بدأكم من تراب تعودون إلى التراب.
وإنما حقت على الفريق الثاني الضلالة؛ لأنهم اقترفوا أسبابها، فوجدت نتائجها ومسبباتها، لا أنها جعلت لهم غرائز، فكانوا عليها مجبورين يرشد إلى ذلك قوله: ﴿إِنَّهُمُ﴾؛ أي: إن هؤلاء الفريق الثاني ﴿اتَّخَذُوا﴾ وجعلوا لأنفسهم ﴿الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ تعالى يطيعونهم في معصية الله، وهذه الجملة تعليل لقوله: ﴿وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾؛ أي: أنهم حين أطاعوا الشياطين فيما زينوا لهم من الفواحش والمنكرات، فكأنهم ولّوهم أمورهم من دون الله الذي يأمر بالعدل والإحسان، وينهى عن الفحشاء والمنكر ﴿وَ﴾ هم مع عملهم هذا ﴿يَحْسَبُونَ ويظنون أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ راشدون فيما تلقنهم الشياطين من الشبهات، كجعل التوجه إلى غير الله، والتوسل إليه في الدعاء مما يقربهم إلى الله زلفى قياسا على الملوك الجاهلين الذين لا يقبلون الصفح عن مذنب إلا بواسطة بعض المقربين عنده، ودلت هذه الآية على أن مجرد الظن والحسبان لا يكفي في حصة الدين، بل لا بد من الجزم والقطع؛ لأنه تعالى ذم الكفار بأنهم بحسبون كونهم مهتدين، ولولا أن هذا الحسبان مذموم لما ذمهم بذلك، ودلت أيضا على أن كل من شرع في باطل؛ فهو مستحق للذم سواء حسب كونه هدى، أو لم

(١) الواحدي.


الصفحة التالية
Icon