جهة الله تعالى: ادخلوا الجنة ﴿لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ﴾ من العذاب ﴿وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ على ما خلفتم في الدنيا، فظهر كذبكم في إقسامكم وحلفكم، ويدل على هذا المعنى قراءتان شاذتان: ﴿أدخلوا﴾ - بصيغة الماضي المبني للمفعول - من أدخل الرباعي، و ﴿دخلوا﴾، وعلى هاتين القراءتين تقع هذه الجملة خبرا، والتقدير: دخلوا الجنة مقولا فيهم: لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ.
وقيل (١): إن أصحاب الأعراف لما قالوا لأهل النار ما قالوا.. قال لهم أهل النار: إن دخل هؤلاء الضعفاء، فأنتم لم تدخلوا الجنة، فلما عيروهم بذلك.. قيل لأصحاب الأعراف: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ، أي: لا خوف عليكم مما يكون في مستقبل أمركم، ولا أنتم تحزنون مما ينغص عليكم حاضركم. وقرأ الحسن وابن هرمز (٢): ﴿أدخلوا﴾ أمر من أدخل الرباعي؛ أي: أدخلوا أنفسكم، أو يكون خطابا للملائكة؛ أي: أدخلوا أيها الملائكة هؤلاء الضعفاء الجنة، ثم خاطب بعد للبشر بقوله: ﴿لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ﴾. وقرأ عكرمة: ﴿دخلوا﴾ إخبارا بفعل ماض. وقرأ طلحة وابن وثاب والنخعي: ﴿ادخلوا﴾ خبرا مبنيا للمفعول كما ذكرنا هاتين القراءتين آنفا.
٥٠ - ﴿وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ﴾؛ أي: بقولهم صبوا علينا من الماء صبا كثيرا ﴿أَوْ﴾ ألقوا علينا ﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى من ثمار الجنة، وأطعمونا منها. وهذا الكلام يدل على حصول العطش الشديد، والجوع الشديد لأهل النار.
والمعنى: أن أهل النار يستغيثون بأهل الجنة ويطلبون منهم أن يفيضوا عليهم من النعم الكثيرة التي يتمتعون بها من شراب وطعام. وعن ابن عباس ينادي الرجل أخاه، فيقول: يا أخي أغثني، فإني قد احترقت، فأفض علي من الماء، فيقال: أجبه، فيقول: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ.
(٢) البحر المحيط.