الوجه الأول: أن العامة إذا رأوا هذا القرآن العظيم الذي قد ملأ قلوبهم تعظيمه، واحترامه إذا رأوه مرةً كذا، ومرة كذا تنزل منزلته عندهم؛ لأنهم عوام لا يُفرقون..
الوجه الثاني: أن القارئ يتهم بأنه لا يعرف؛ لأنه قرأ عند العامة بما لا يعرفونه؛ فيبقى هذا القارئ حديث العوام في مجالسهم..
الوجه الثالث: أنه إذا أحسن العامي الظن بهذا القارئ، وأن عنده علماً بما قرأ، فذهب يقلده، فربما يخطئ، ثم يقرأ القرآن لا على قراءة المصحف، ولا على قراءة التالي الذي قرأها. وهذه مفسدة..
ولهذا قال عليّ: "حدِّثوا الناس بما يعرفون؛ أتحبون أن يُكذب الله، ورسوله" (١)، وقال ابن مسعود: "إنك لا تحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة" (٢) ؛ وعمر بن الخطاب لما سمع هشام بن الحكم يقرأ آية لم يسمعها عمر على الوجه الذي قرأها هشام خاصمه إلى النبي ﷺ فقال النبي ﷺ لهشام: "اقرأ"، فلما قرأ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هكذا أنزلت"، ثم قال النبي ﷺ لعمر: "اقرأ"، فلما قرأ قال النبي ﷺ "هكذا أنزلت" (٣) ؛ لأن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فكان الناس
_________
(١) أخرجه البخاري ص١٤، كتاب العلم، باب ٤٩: من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا، رقم ١٢٧.
(٢) أخرجه مسلم ص٦٧٥، مقدمة الكتاب، رقم ١٤.
(٣) أخرجه البخاري ص١٨٩، كتاب الخصومات، باب ٤: كلام الخصوم بعضهم في بعض، حديث رقم ٢٤١٩؛ وأخرجه مسلم ص٨٠٥ - ٨٠٦، كتاب صلاة المسافرين، كتاب فضائل القرآن وما يتعلق به، باب ٤٨: بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف وبيان معناها، حديث رقم ١٨٩٩ [٢٧٠] ٨١٨.


الصفحة التالية
Icon