﴿ففريقاً﴾ أي طائفة؛ ونصب على أنه مفعول مقدم لـ ﴿كذبتم﴾ ؛ ﴿وفريقاً تقتلون﴾ أي وطائفة أخرى تقتلونهم؛ وقدم المفعول على عامله؛ لإفادة الحصر مع مراعاة رؤوس الآي؛ والحصر هنا في أحد شيئين لا ثالث لهما: إما التكذيب؛ وإما القتل. يعني مع التكذيب..
وهنا قال تعالى: ﴿كذبتم﴾. فعل ماضٍ؛ وقال تعالى: ﴿تقتلون﴾. فعل مضارع؛ فأما كون الأول فعلاً ماضياً فالأمر فيه ظاهر؛ لأنه وقع منهم التكذيب؛ وأما الإتيان بفعل مضارع بالنسبة للقتل فهو أولاً مراعاة لفواصل الآية؛ لأنه لو قال: "فريقاً قتلتم" لم تتناسب مع التي قبلها، والتي بعدها؛ ثم إن بعض العلماء أبدى فيها نكتة: وهي أن هؤلاء اليهود استمر قتلهم الرسل حتى آخرهم محمد ﷺ فإنهم قتلوا الرسول ﷺ بالسم الذي وضعوه له في خيبر؛ فإنه ﷺ ما زال يتأثر منه حتى إنه ﷺ في مرض موته قال: "ما زالت أكلة خيبر تعاودني، وهذا أوان انقطاع الأبهر مني" (١) ؛ قال الزهري: إن النبي ﷺ مات شهيداً؛ لأن اليهود تسببوا في قتله؛ وهذا ليس ببعيد أن يكون هذا من أسرار التعبير بالمضارع في القتل؛ وإن كان قد يَرِدُ عليه أن التكذيب استمر حتى زمن الرسول ﷺ فلماذا لم يقل: "فريقاً تكذبون
_________
(١) أخرجه البخاري معلقاً ص٣٢٢، كتاب المغازي، باب ٨٤: مرض النبي ﷺ ووفاته... ، حديث رقم ٤٤٢٨؛ وأخرجه الحاكم موصولاً ٣/٥٨، كتاب المغازي، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، وأقره الذهبي؛ وأخرجه أبو داود ص١٥٥٤، كتاب الديات، باب ٦: فيمن سقى رجلاً سماً أو اطعمه فمات، حديث رقم ٤٥١٢، وقال الألباني في صحيح أبي داود: حسن صحيح ٣/٩١.


الصفحة التالية
Icon