وبدأ بالقرآن مع أنه آخرها زمناً؛ لأنه مهيمن على الكتب السابقة ناسخ لها؛ والمراد بـ ﴿ما أنزل من قبلك﴾ التوراة، والإنجيل، والزبور، وصحف إبراهيم، وموسى، وغيرها..
الصفة الخامسة: الإيقان بالآخرة في قوله تعالى: ﴿وبالآخرة هم يوقنون﴾ ؛ والمراد بذلك البعث بعد الموت، وما يتبعه مما يكون يوم القيامة من الثواب، والعقاب، وغيرهما؛ وإنما نص على الإيقان بالآخرة مع دخوله في الإيمان بالغيب لأهميته؛ لأن الإيمان بها يحمل على فعل المأمور، وترك المحظور؛ و "الإيقان" هو الإيمان الذي لا يتطرق إليه شك...
﴿٥﴾ قوله تعالى: ﴿أولئك﴾ : المشار إليه ما تقدم ممن اتصفوا بالصفات الخمس؛ وأشار إليهم بصيغة البعد لعلوّ مرتبتهم؛ ﴿على هدًى﴾ أي على علم، وتوفيق؛ و ﴿على﴾ للاستعلاء؛ وتفيد علوهم على هذا الهدى، وسيرهم عليه، كأنهم يسيرون على طريق واضح بيّن؛ فليس عندهم شك؛ تجدهم يُقبلون على الأعمال الصالحة وكأن سراجاً أمامهم يهتدون به: تجدهم مثلاً ينظرون في أسرار شريعة الله، وحِكَمها، فيعلمون منها ما يخفى على كثير من الناس؛ وتجدهم أيضاً عندما ينظرون إلى القضاء والقدر كأنما يشاهدون الأمر في مصلحتهم حتى وإن أصيبوا بما يضرهم أو يسوءهم، يرون أن ذلك من مصلحتهم؛ لأن الله قد أنار لهم الطريق؛ فهم على هدًى من ربهم وكأن الهدى مركب ينجون به من الهلاك، أو سفينة ينجون بها من الغرق؛ فهم متمكنون غاية التمكن من الهدى؛ لأنهم عليه؛ و ﴿من ربهم﴾ أي خالقهم المدبر لأمورهم؛ والربوبية هنا خاصة متضمنة للتربية الخاصة التي فيها سعادة الدنيا، والآخرة..


الصفحة التالية
Icon