تارة بالقراءة وتارة بالامتثال لما فيه من أمرٍ ونهيٍ وترغيبٍ وترهيبٍ، أو ما يتوهم فيه ذلك، وعلى هذا ﴿يتلونه حق تلاوته﴾ [البقرة: ١٢١].
وقوله: ﴿ويتلوه شاهدٌ منه﴾ [هود: ١٧] أي يتبع أحكامه ويقتدي بها ويعمل بموجبها. وقوله: ﴿واتبعوا ما تتلو الشياطين﴾ [البقرة: ١٠٢] سماه تلاوةً تنزيلًا على اعتقاد الشيطان، فإنه كان يزعم أن ما يتلوه من كتب الله تعالى.
وقوله: ﴿والقمر إذا تلاها﴾ [الشمس: ٢] إنما قال تلاها لأن معناه هنا الاقتداء، وذلك لما قيل إن القمر مقتبسٌ من نور الشمس؛ فهو لها بمنزلة الخليفة. وعلى هذا نبه بقوله: ﴿وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا﴾ [الفرقان: ٦١]. فأخبر أن الشمس بمنزلة السراج؛ والقمر بمنزلة النور المقتبس منه. وعليه: ﴿جعل الشمس ضياءً والقمر نورًا﴾ [يونس: ٥]، لأن الضياء أقوى من النور، فهو أخص منه. وقد ذكرنا هذه النكتة عند قوله: ﴿ذهب الله بنورهم﴾ [البقرة: ١٧] ولم يقل بضيائهم.
وقوله: ﴿يتلونه حق تلاوته﴾ يحتمل القراءة بأن يقيموا ألفاظه من غير تحريف ولا لحن، ويتدبروا معانيه، ويحتمل الإتباع بالعلم والعمل، والأولى حمله على جميع ذلك. إلا أن قوم لفظه ولم يتبعه في العلم والعمل ليس بتالٍ وإن قرع دماغه. ومن تبعه في العلم والعمل تالٍ وإن لم يتلفظ به، وفي حديثٌ ذكرناه في موضعه.
وفي الحديث: «لا دريت ولا تليت» أصله تلوت فقلبت الواو ياءً لازدواج الكلام كقوله: «ارجعن مأزوراتٍ غير مأجوراتٍ»، وقوله: «أيتكن صاحبة الجمل الأزب تنبحها كلاب الحوءب».
يريد مأزوراتٍ، والأزب الكثير الشعر وفلانٌ يتلو على فلان ويقول عليه، أي يكذب.


الصفحة التالية
Icon