الركبان. قال: وأحسب أحدهم حبيسًا؛ فعيلًا بمعنى مفعول. ويجوز أن يكون حابسًا لأنه يحس من وراءه بمسيره. قلت: فعل منقاس في فاعل نحو ضارب، وضرب غير منقاس في فعيل. والحبس أيضًا مصنع الماء لتحبسه فيه.
ح ب ط:
قوله تعالى: ﴿حبطت أعمالهم﴾ [البقرة: ٢١٧] أي بطلت. وأصله من قولهم: حبطت الدابة إذا أكلت أكلا انتفخ بطنها منه فماتت. ومنه الحديث: "إني أخوف ما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها. فقال رجل: أو يأتي الخير بالشر يا رسول الله؟ فقال: إنه لا يأتي الخير بالشر، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطًا أو يلم، إلا آكلة الخضر فإنها أكلت حتى إذا امتلأت حاضرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت". إنما سقت هذا الحديث بكماله لأنه كما قال الأزهري: إذا بتر لم يكد يفهم. وقال: وفيه مثلان أحدهما للمفرط في جمع الدنيا ومنعها من حقها، والضرب الآخر للمقتصد في أخذها والانتفاع بها. فقوله: "إن مما ينبت الربيع" يريد أن الربيع ينبت البقول والعشب فتأكل منه الدابة أكلًا واسعًا، فتنشق أمعاؤها فتهلك، وهي الحبط.
كذلك من جمع الدنيا حرامًا وحلالا يهلك بها.
وقوله: "إلا آكلة الخضر" يريد بالخضر المرعى المعتاد الذي ترعاه المواشي بعد هيج البقول وهي الجنبة فإذا أكلته بركت مستقبلة الشمس، تستمري ما أكلت وتجتر كعادة الدواب. فتثلط أي فتروث وتبول فلا يصيبها ألم المرعى لثلطها وبولها، كذلك المقتصد في جمع الدنيا المؤدي حقوق ربه. وما أحسن هذين المثلين وأبلغهما وأوقعهما بحال الممثل له. وكم من مثل نسمعه ولا نجده يساوي ما يضربه ﷺ ولا يقاربه وذلك لاطلاعه على ظواهر الأمور وبواطنها فمن ثم تجيء أمثاله في غاية المطابقة للحال فضلًا عن الفصاحة والبلاغة، بخلاف غيره عليه الصلاة والسلام، فإنه غاية ما عنده أن يطابق بالمثل الحال الظاهر.