وقيل في قوله: ﴿ختم الله على قلوبهم﴾ إشارة إلى ما جرت به العادة من أن الإنسان إذا تناهي في أعتقادٍ باطلٍ أو ارتكاب محظورٍ ولا يكون منه تلفت بوجه إلى الحق يورثه ذلك هيئة تمرنه على استحسان المعاصي، فكأنما ختم بذلك على قلبه، وعليه: ﴿أولئك الذين طبع الله على قلوبهم﴾ [النحل: ١٠٨]. ومثله استعارة الإغفال في قوله: ﴿أغفلنا قلبه عن ذكرنا﴾ [الكهف: ٢٨]، واستعارة الكن في قوله: ﴿وجعلنا على قلوبهم أكنة﴾ [الأنعام: ٢٥]، واستعارة القساوة في قوله: ﴿قلوبهم قاسية﴾ [المائدة: ١٣]. وقرئ: "قسيه".
وهل الختم مسئولٍ على الأسماع؛ فيكون الوقف على سمعهم، أو ليس مستوليًا عليها. وفي قراءة نصبها يجوز أن يستولي عليها حسبما بينا ذلك في "الدر" و "التفسير الكبير". وبينا هناك وجه جمع القلوب والأبصار وإفراد السمع. وهذه الآية من أعظم أي القرآن وأدلها على أن الله تعالى خالق كل شيءٍ من خيرٍ أو شر، نفعٍ أو خيرٍ، إيمانٍ أو كفرٍ.
ولما ضاق خناق المعتزلة بها تأولوها تأويلات ضعيفةً حسبما بيناه في موضعه، حتى قال الجبائي: " يجعل الله ختمًا على قلوب الكفار ليكون دلالة للملائكة على كفرهم فلا يدعون لهم" يعني أن الملائكة تستغفر للمؤمنين، وهذا تأويل سخيف قال الناس في رده، لأن هذا الختم إما أن يكون معقولًا؛ فالملائكة يستغنون عن ذلك باطلاعهم على خبث عقائدهم، أو محسوسًا فينبغي أن يدركه أهل الشرع.
وقوله: ﴿اليوم نختم على أفواههم﴾ [يس: ٦٥] عبارة عن منعهم الكلام، وهذا في وقتٍ غير وقتٍ أخر يتكلمون فيه وهو قوله: ﴿ولا يكتمون الله حديثًا﴾ [النساء: ٤٢] لأن يوم القيامة متطاول مختلف الأمكنة والأزمنة.


الصفحة التالية
Icon