أنهم أظهروا ندامةً وأخفوا ندامةً، لأنهم لم يستطيعوا أن يظهروا كل ما في قلوبهم عجزًا عن ذلك. وصارت لهم الحالتان؛ حالة الإخفاء وحالة الإظهار. وأنشد لأبي دؤادٍ الإيادي: [من المتقارب]
٧١٨ - إذا ما يذفها شاربٌ | أسر احتيالًا وأبدى احتيالا |
ولم أدر وجه قول ابن عرفة في الردٌ على قطرب، قوله تعالى:
﴿تسرون إليهم بالمودة﴾ [الممتحنة: ١] يقال: أسررت إلى فلان حديثًا أو أصبت به إليه في خفيةٍ. والمعنى: تطلعونهم على ما تسرون من مودتهم. وقد فسر بأن معناه تظهرون. قال الراغب: وهذا صحيحٌ فإن الإسرار إلى الغير يقتضي إظهار ذلك لمن يفضى إليه بالسر، وإن كان يقتضي إخفاءه عن غيره. فإذا قولهم: أسررت إلى فلانٍ يقتضي من وجه الإخفاء قلت وحينئذ فقوله تعالى:
﴿وأسروا الندامة﴾ محتملٌ لما قاله أبو عبيدة، فلا معنى لإنكاره عليه.
قوله:
﴿يوم تبلى السرائر﴾ [الطارق: ٩] جمع سريرة، وهي أعمال العباد التي يسرونها، قال الشاعر: [من الطويل]
٧١٩ - سيبقى لها في مضمر الود والحشا | سرائر حب يوم تبلى السرائر |
ولما سمع الحسن هذا البيت قال: قاتله الله إن في ذلك اليوم لشغلًا. قوله تعالى:
﴿ولكن لا تواعدوهن سرًا﴾. [البقرة: ٢٣٥] قيل: السر: النكاح، كني به عنه من حيث إنه يخفى واستعير السر للخالص؛ فقيل: هو في سر الوادي، وفي سر قومه. وسرة البطن: ما يبقى؛ سميت بذلك لاستتارها بعكن البطن. والسُّرَرُ والسِّرَرُ والسُّرُّ: ما قطع منه. وفي الحديث:
«إن السقط يجترهما -يعني والديه -بسرره حتى يدخلهما الجنة» وفي الحديث أيضًا:
«تبرق أسارير وجهه» وأسرة وجهه وهي الغضون