قوله تعالى: ﴿وقليل من عبادي الشكور﴾ [سبأ: ١٣] فيه تنبيه على أن توفية شكر الله تعالى صعب أو ممتنع. ولذلك لم يثن بالشكر على أوليائه إلا على اثنين: الأول خليله إبراهيم في قوله: ﴿شاكرًا لأنعمه﴾ [النحل: ١٢١]. الثاني: نوح في قوله: ﴿إنه كان عبدًا شكورًا﴾ [الإسراء: ٣]. وقيل: إنما قال تعال: ﴿الشكور﴾ بصيغة المبالغة دون «شاكر»، لأن الشاكرين غير قليلين. وأما المبالغون في الشكر فقليلون. ويحكى أن عمر رضي الله عنه سمع رجلًا يقول في دعائه «اللهم اجعلني من عبادك القليل. فقال يا أخي ما هذا الدعاء؟ قال: يا أمير المؤمنين سمعت الله تعالى يقول: ﴿وقليل من عبادي الشكور﴾ فأنا أطلب أن أكون من أولئك القليل. فقال: كل الناس أعلم من عمر».
قوله تعالى: ﴿والله شكور حليم﴾ [التغابن: ١٧] قيل: إذا وصف الله تعالى بكونه ﴿شكور حليم﴾ فمعناه إنعامه على عبيده، وجزاؤه بما أقاموه من العبادة. وقال ابن عرفة: يغفر السيئات ويشكر الحسنات، يعني بذلك مضاعفتها. ولذلك قال غيره: يعني بالشكور في صفاته أنه يذكر عنده القليل من أعمال العباد، فيضاعف لهم جزاءه، قوله: ﴿لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا﴾ [الإنسان: ٩] قيل: هو جمع شكر. وقيل: مصدر وكذلك الكفور؛ قاله الأخفش. وشكر: يتعدى بنفسه تارةً وباللام أخرى في أخواتٍ له ذكرتها في غير هذا. واختلف النحويون؛ هل أحدهما أصل للآخر أو هما أصلان؟ تحقيقه في غير هذا. إلا أن الفراء جعل التعدي باللام أفصح.
قلت: ولذلك لم يرد في التنزيل إلا به. وفي حديث يأجوج ومأجوج: «وإن دواب الأرض تسمن وتشكر شكرًا من لحومهم» أي تمتلئ. يقال شكرت الشاة شكرًا: امتلأت لبنًا وسمنًا، فهي شكرى بزنة سكرى وناقة شكرة: ممتلئة الضرع. وفي المثل: «أشكر من بروقٍ» هو نبت يخضر بأدنى مطر. والشكير: فراخ تحصل في أصل الشجرة، وفي المثل: «في عضةٍ ما ينبتن شكيرها» ومنه حديث عمر: «وشكير كثير. قيل: يا أمير المؤمنين، وما الشكير؟ قال: ألم تر إلى الزرع إذا زكا ونبت في أصوله؟