ذلك منهم سهوٌ. انتهي.
ولا شك أن الله تعالي يقول في حق عباده ما شاء وليس لنا أن نقول ذلك إلا علي سبيل الحكاية لكلامه تعالي لا علي الإخبار. ألا تري- وإن كان بين القياسين بون- أن السلطان يدعو أكثر خواصه باسمه وينسب إليه بعض الأوصاف فيتحلي بذلك ويعظم به عند الناس، وليس لأحد الخواص ممن هو في رتبته فضلًا عمن هو أعلي بطنًا أن يخاطبه ببعض ذلك؟ وأما تفسير قوله: ﴿ووجدك ضلًا فهدي﴾ فحسنٌ جدًا، وهو الذي ينبغي أن لا يجوز غيره. ومثله ما قال الهروي: أي لا تعرف شريعة الإسلام فهداك لها، وهو مثل قوله تعالي: ﴿وعلمك ما لم تكن تعلم﴾ [النساء: ١١٣].
قلت: ومثله قوله تعالي: ﴿ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان﴾ [الشورى: ٥٢] وقيل: الضلال هنا: الضياع. يروي أنه ضل من جده وهو صغيرٌ في بعض شعاب مكة، فرده أبو جهلٍ. وقيل: بل أضلته حليمة عند باب الكعبة فرده الله عليها.
وهذا ونحوه لا بأس به. وأما ما يروي عن بعض المفسرين: كان علي دين قومه أربعين سنةٍ، فإن عني خلوهم من علم الشريعة التي طريقها السمع فمسلمٌ، وإن عني غير ذلك فبرأه الله من ذلك. وسمعت بعض أشايخي يقول: نمت ليلة مهتمًا بهذه الآية فرأيت في المنام كأن قائلًا يقول: مالك؟ فقصصت عليه أمري فقال: المراد ووجد أمتك ضلالًا فهداهم، فحذف المضاف للعلم كقوله: ﴿واسأل القرية﴾ [يوسف: ٨٢] فسري عني فانتبهت من وقتي فلم أصبر إلي الصباح، فأوقدت المصباح فكتبته. وأما أمر موسي عليه السلام فإن حال فعله ذلك كان حال صباه. فنعني بضلاله ما تقدم من أمر الشريعة، أي لم تكن وصلت إلي شريعةٍ بعد. وأما قول إخوة يوسف عن أبيهم ما قالوه. فإن كانوا غير أنبياء فذاك، وإن كانوا هم فيعنون في بعد عن عادة الناس في محبة أولادهم وغيبوبة الإضلال الذي هو مقابل الهداية.
قوله تعالي: ﴿لا يضل ربي﴾ [طه: ٥٢] أي لا يغفل عنه. قوله: ﴿أن تضل إحداهما﴾ [البقرة: ٢٨٢] أي تنسي بدليل قوله: {فتذكر إحداهما


الصفحة التالية
Icon