وذلك أنهم يتصورون الصبح ابنًا لها، وتارًة حاجبًا لها. وعبر عن حدة الفهم وسرعته بالذكاء من قولهم: فلان شعلة نارٍ، وذهنه يتوقد. فحقيقة تذكية الحيوان: إخراج الحرارة الغريزية. ويدل على هذا الاشتقاق قولهم في الميت: خامد وهامد، وفي النار الهامدة: ميتة. وذكى الرجل: أسن وحظي بالذكاء لكثرة رياضته وتجاربه. وبحسب هذا الاشتقاق لا يسمي الشيخ مذكيًا إلا إذا كان ذا تجارب ورياضاتٍ. ولما كانت التجارب والرياضات قلما تستعمل إلا في الشيوخ لطول عمرهم استعمل الذكاء فيهم، واستعمل في العتاق من الخيل المسان. وعلى هذا جرى قولهم: "جري المذكيات غلاب".
فصل الذال واللام
ذ ل ل
قوله تعالى:} واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ﴿[الإسراء: ٢٤] الذل بالضم ضد العز. والمعنى: تواضع لهما وكن لوالديك ذليلاً. وقيل: الذل ما كان عن قهرٍ؛ ذل يذل ذلاً. والمعنى: كن كالمقهور لهما. والذل بالكسر ضد الصعوبة وهو الطواعية والانقياد. وقيل هو ما لم يكن عن قهرٍ بل عن تأب وشماسٍ. وقد قرئ "جناح الذل" والمعنى: لن لهما ولا تصعب. يقال: الذل والقل، والذلة والقلة. وذلت الدابة تذل ذلاً فهي ذلول قوله:﴾ فاسلكي سبل ربك ذللاً ﴿[النحل: ٦٩] أي منقادة غير مستصعبةٍ. قوله:﴾ وذللت قطوفها تذليلاً ﴿[الإنسان: ٢٤] أي سهلت لمتناولها لدنوها بمنزلة الدابة المنقادة. فهذا من الذل. قوله:﴾ أذلةٍ على المؤمنين ﴿[المائدة: ٥٤] أي لينين سهلين على إخوانهم من المؤمنين، ولم يرد أنهم هينون عليهم ممتهنون عندهم بدليل مقابلته بقوله﴾ أعزةٍ على الكافرين ﴿أي يغالبونهم ويعادونهم كقوله:﴾ جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ﴿[التوبة: ٧٣]. قوله:﴾ وذلة في الحياة الدنيا ﴿[الأعراف: ١٥٢] هي أمرهم بقتلهم أنفسهم. وقيل: هي أخذ الجزية. قوله﴾ ولم يكن له ولي من الذل {[الإسراء: ١١١] أي لم يتخذ وليًا يحالفه ويعاونه لذلةٍ. وكانت العرب