نكالاً لما بين يديها وما خلفها وموعظًة ﴿[البقرة: ٦٦] أي جعلنا تلك الأمة موعظًة يتعظ بها المتقدمون وهم من يسمع أن قومًا سيأتون يفعلون كذا فيبتلون بكذا. والمتأخرون وهم من بلغهم خبرهم. والاعتبار افتعال من العبور وهو المجاوزة؛ يقال: عبرت النهر: قطعته وجزته من أحد جانبيه إلى الآخر. ومن ثم استدل بها مثبتو القياس: فإن القياس عبور من أصلٍ إلى فرعٍ بعلةٍ جامعةٍ.
وأصل العير تجاوز من حالٍ إلى حالٍ. قيل: والعبور مختص بتجاوز الماء إما بسباحةٍ أو بسفينةٍ أو بعيرٍ أو قنطرةٍ. ومنه عبر النهر لجانبه بحيث يعبر إليه أو منه. واشتق منه: عبر العين للدمع. والعبرة كالدمعة. وفلان [عابر سبيلٍ، قال تعالى]﴾ إلا عابري سبيلٍ ﴿[النساء: ٤٣] أي جائزي طريقٍ في المسجد. ومنه: ناقة عبر الهواجر، أي تعبرها لجلادتها وصبرها بمعنى عائدةٍ. ومن ثم قال النحاة: إن الإضافة غير مختصةٍ. وعبر القوم: ماتوا؛ نظرًا إلى أنهم جاوزوا هذه الدنيا وقنطرتها والعبارة مختصة بالكلام لأنه عابر في الهواء من لسان المتكلم إلى سمع السامع.
والعبرة: الدلالة بالشيء على مثله وحقيقتها الحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهدٍ. ولهذا خصت بالخواص، نحو:﴾ إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ﴿[آل عمران: ١٣]،﴾ لعبرًة لمن يخشى ﴿[النازعات: ٢٦]. والتعبير مختص بتفسير الأحلام والرؤيا لأن فيه عبورًا من ظاهر الرؤيا إلى باطنها. وقيل: لأنه يجر بما يؤول إليه أمرها؛ مأخوذ من: عبر النهر. إلا أنه لم يسمع في المصدر إلا التعبير ولم يسمع في الفعل غالبًا إلا التخفيف. يقال: عبرت الرؤيا أعبرها تعبيرًا، فأنا عابر. فجاء المصدر على غير القياس، وهو غير الغالب لأن الغالب أن تحذف زوائد المصدر لا الفعل نحو: أعطى عطاًء، وأنبت نابتًا، واغتسل غسلاً، وتوضأ وضوءًا. على أنه ورد مشددًا موافقًا لمصدره؛ قال الشاعر: [من السريع]
٩٨٩ - رأيت رؤيا ثم عبرتها... وكنت للأحلام عبارا
لولا أن التخفيف لغة التنزيل، قال تعالى: {إن كنتم للرؤيا تعبرون﴾