بمقدار ما عندك من الاستقلال، وأنشد لزهير: [من البسيط]
١٢٣٩ - تعلمن، هالعمر الله ذا قسمًا... فاقدر بذرعك وانظر: أين تنسلك؟
ويروي: ((فاقصد لذرعك)) وهو في المعنى الأول.
وأقدرني الله وقدرني على كذا، أي قواني وجعل لي قدرة. وتقدير الله الأشياء على وجهين: أحدهما بإعطاء القدرة، والثاني بأن يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة. قال الراغب: وذلك أن فعله تعالى ضربان؛ ضرب أوجده بالفعل، ومعنى إيجاده بالفعل أن أبدعه كاملًا دفعة لا تعتريه الزيادة والنقصان إلى أن يشاء أن يبدله ويفنيه، كالسموات وما فيها. وضرب جعل أصوله موجودة بالفعل وأجزاءه بالقوة، وقدره على وجه لا يتأتى غير ما قدر فيه، كتقديره في النواة أن ينبت منها النخل دون التفاح والزيتون، وتقدير مني الآدمي أن يكون منه الإنسان دون سائر الحيوان.
فتقدير الله على وجهين أحدهما بالحكم منه أن يكون كذا أو لا يكون كذا، إما على سبيل الوجوب وإما على سبيل الإمكان. وعلى ذلك قوله تعالى: ﴿قد جعل الله لكل شيء قدرًا﴾ [الطلاق: ٣] والثاني بإعطاء القدرة عليه.
قوله: ﴿نحن قدرنا بينكم الموت﴾ [الواقعة: ٦٠] أي حكمنا به وصرفناه بينكم فلا يختص به أحد من المخلوقين بعضهم دون البعض. وفيه منبهة على أن فيه حكمة وهو أن الله تعالى هو المقدر له وليس كما زعم المجوس من قولهم: إن الله يخلق وإن إبليس يقتل. فانظر إلى هذا الكتاب العزيز كيف تعرض لكل مذهب والرد عليه قديمًا وحديثًا؟
قوله: ﴿فقدرنا فنعم القادرون﴾ [المرسلات: ٢٣] تنبية أن ما حكم به فهو


الصفحة التالية
Icon