على نوعين: أحدهما ما يعافه من حيث الطبع، والثاني ما يعافه من حيث الشرع والعقل. ولذلك يصح أن يقال: إني أكره الشيء وأريده منه حيث الشرع والعقل، أو أكرهه من حيث الشرع وأريده من حيث الطبع. وعلى الأول قوله تعالى: ﴿كتب عليكم القتال وهو كره لكم﴾ [البقرة: ٢١٦] أي من حيث الطبع، وقوله تعالى بعد ذلك: ﴿وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم﴾. فنبه أنه يجب على الإنسان أن لا يكره شيئًا ولا يحبه حتى يعرف كنهه وما يؤول إليه، وهذا كالدواء؛ فإن النفوس تكرهه وفيه صلاحها، وعكسه الأغذية الغليظة الثقيلة؛ فإن النفوس تريدها وفيها فسادها وسقامها. فالطاعات كالأدوية والمعاصي كالأغذية المؤذية.
قوله: ﴿ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء﴾ [النور: ٣٣] أي لا تكرهوهن على الزنا. وحقيقة الإكراه حمل الإنسان على ما يكرهه.
وقوله تعالى: ﴿لا إكراه في الدين﴾ [البقرة: ٢٥٦] قيل:
١ - منسوخٌ بآيات القتال، وكان في ابتداء الإسلام يعرض على الرجل الإسلام فإن أجاب وإلا خلي سبيله ولا يقاتل على ذلك.
٢ - وقيل: ليست منسوخةً والمراد أهل الكتاب فإنهم إذا أرادوا الجزية تركوا وأقروا من غير إكراه على الإسلام، بخلاف المحاربين منهم وغيرهم من المشركين.
٣ - وقيل: معناه لا حكم لمن أكره على دينٍ باطلٍ فاعترف به ودخل فيه، كما قال تعالى: ﴿إلا من أكره وقلبه مطمئنٌ بالإيمان﴾ [النحل: ١٠٦].
٤ - وقيل: لا اعتداد في الآخرة بما يفعله الإنسان في الدنيا من الطاعات كرهًا، فإن الله مطلعٌ على السرائر فلا يرضى إلا الإخلاص، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «الأعمال بالنيات»، وقال عليه الصلاة والسلام: «أخلص يكفك القليل من العمل».