والكسب -في الأصل -ما يتحراه الإنسان مما فيه جلب منفعٍ أو دفع ضر. وغلب استعماله في تحصيل الأموال وتوابعها. قال الراغب: وقد يستعمل الكسب فيما يظن الإنسان أنه يجلب منفعةً ثم استجلب به مضرةٌ. فالكسب فيما أخذه لنفسه ولغيره، ولهذا قد تعدى لمفعولين، نحو: كسبت زيدًا مالًا. والاكتساب لا يقال إلا فيما استفدته لنفسك، فكل اكتساب كسبٌ، وليس كل كسبٍ اكتسابًا، وذلك نحو: خبز واستخبز، وشوى واشتوى انتهى. ففرق بينهما من هذه الحيثية. وهي -في التحقيق -راجعةٌ إلى ما قدمته. ثم في نحو: خبز واستخبز نظرٌ، وكأنه سبق قلمٍ أو لسانٍ، وصوابه: واختبز، ويدل عليه قوله بعد ذلك: وشوى واشتوى، وذلك أن كلامه في الفرق بين فعل وافتعل، لا بينه وبين استفعل.
وحكى ابن الأعرابي: أكسبت زيدًا مالًا، وأنشد: [من الطويل]

١٤٣٢ - فأوسعته مدحًا وأوسعني قرى وأكسبني مالًا وأكسبته حمدًا
قوله: ﴿ما أغنى عنه ماله وما كسب﴾ [المسد: ٢] يجوز أن تكون ما مصدرية فتتأول مع ما بعدها بمصدرٍ أي وكسبه. ثم هذا الكسب يجوز أن يكون باقيًا على مصدريته بطريق الأصالة، وأن يكون واقعًا موقع المفعول، وحينئذٍ فيجوز أن يراد به المال الذي كسبه. وقيل: يجوز أن يراد به الولد، والولد من كسبه. ويجوز أن تكون ما موصولةً بمعنى الذي، وحينئذ يراد به المال أي والذي كسبه. قيل: ويحوز أن يراد به الولد، وفيه ضعفٌ من حيث إن ما لغير العاقل عند الجمهور، وفي الحديث: «إن أطيب ما أكل المرء من كسبه وإن ولده من كسبه».
قوله: ﴿أنفقوا من طيبات ما كسبتم﴾ [البقرة: ٢٦٧] أي كسبكم أو الذي كسبتموه، وفي الحديث: «أنه سئل: أي الكسب أفضل؟ فقال: عمل الرجل بيده»


الصفحة التالية
Icon