قوله: ﴿إنا هديناه السبيل إما شاكرًا وإما كفورًا﴾ [الإنسان: ٣] تنبيهٌ على أنه عرفه الطريقين، كما قال تعالى: ﴿وهديناه النجدين﴾ [البلد: ١٠]؛ فمن سالكٍ سبيل الشكر ومن سالكٍ سبيل الكفر.
قوله: ﴿وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين﴾ [الشعراء: ١٩] أي تحريت كفران نعمتي. ولما كان الكفر نقيض جحود النعمة صار يستعمل في الجحود، ومنه: ﴿ولا تكونوا أول كافر به﴾ [البقرة: ٤١] أي جاحدٍ له وساترٍ لحقه. نهاهم أن يكونوا مقتدين بهم في ذلك. وهذا جوابٌ عما يفترض به الجهاد، فيقولون: مفهومه أنهم غير منتهين عن كونهم ثاني كافرٍ أو ثالثٍ، وهذا ساقطٌ جدًا لما ذكرته.
والكافر على الإطلاق من جحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة، وترك ما لزمه من ترك النعمة، كافرٌ لقوله تعالى: ﴿من كفر فعليه كفره﴾ [الروم: ٤٤] قال الراغب: ويدل على ذلك مقابلته بقوله: ﴿ومن عمل صالحًا فلأنفسهم يمهدون﴾ [الروم: ٤٤] وفيه نظر إذ الظاهر حمله على الكفر المتعارف.
قوله: ﴿ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون﴾ [النور: ٥٥] عنى بالكافر الساتر للحق فلذلك جعله فاسقًا، ومعلومٌ أن الكفر المطلق هو أعظم من الفسق، ومعناه من يجحد حق أبيه فقد فسق عن الذرية بظلمه. ولما جعل كل فعلٍ محمودٍ من الإيمان جعل كل فعلٍ مذمومٍ من الكفر. وقال في السحر: ﴿وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا﴾ [البقرة: ١٠٢]. وقال تعالى: ﴿ولله على الناس حج البيت﴾ [آل عمران: ٩٧] ثم قال: ﴿ومن كفر﴾ أي: ومن تركه جاحدًا له. وقيل: هو تغليظٌ كقوله عليه الصلاة والسلام: «من قدر على الحج ولم يحج فليمت إن شاء يهوديًا وإن شاء نصرانيًا».
قوله: ﴿جزاءً لمن كان كفر﴾ [القمر: ١٤] يعني به نوحًا ومن جرى مجراه من الأنبياء عليهم السلام، وفي معناهم من هذا الحيثية من أمر بمعروفٍ ونهى عن منكر


الصفحة التالية
Icon