وقال أبو بكرٍ: "ظل الجنة سترها والكينونة في دارها" وإلا فالشمس إنما تتعارف في الدنيا، هي معيار الظل باعتبار غيبوبتها وحجبها عن ذلك المكان الذي يوجد فيه الظل ولا شمس في الجنة. قوله تعالى:} ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ﴿[الفرقان: ٤٥] هذه الآية من أشكل الآي في فهمها، وأحسن ما قيل فيها: إن معنى "مد الظل" أن جعله يبسط ويمشي وينتقل في الأمكنة التي كانت مشمولًة بالشمس، فينتفع به العالم انتفاعًا مشاهدًا في أبدانهم وزروعهم وثمارهم. ولو بقيت الشمس متسلطًة عليهم لأحرقت كل ذلك، وكذا لو لم تطلع عليهم لفسدوا أيضًا. قوله تعالى:﴾ ولو شاء لجعله ساكنًا ﴿[الفرقان: ٤٥] أي لاصقًا بأصل كل شاخصٍ مطل لم ينبسط ولم ينتقل عن أصل ذلك الشاخص من بناءٍ أو جيلٍ أو شجرٍ، فلم ينتفع به ذلك العالم فيما ذكر، قسمي الله تعالى ابنساطه وانتقاله الانتقال المعهود امتدادًا وتحركًا، وعدم ذلك سكونًا. قوله:﴾ ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً ﴿معناه أن الناس يستدلون بالشمس وأحوالها في المسير العجيب الذي لا يدخل تحت العقول على أحوال الظل في كونه ثابتًا في مكانٍ، وزائلاً عن آخر، ومتسعًا منبسطًا ولاصقًا متقلصًا، فيثبتون حاجاتهم على حسب ما يريدون. قوله:﴾ ثم قبضناه إلينا ﴿معناه: ننسخه بضحى الشمس بأن نطلقها فيسطع نورها أي شعاعها على تلك الأمكنة بالسير الذي قدرناه فيذهب.. قوله:﴾ قبضًا يسيرًا ﴿أي على مهلٍ وتأنٍ. ولو قبض الظل ونسخ دفعًة واحدًة لتعطلت منافع الناس وفسدت معايشهم ونباتهم وشجرهم بالشمس والظل معًا، فسبحان الحكيم الذي تاهت عقول الحكماء في حكمته. وإنما شرحت ألفاظ الآية، وإن المقصود الظل لأنه لا يفهم معناها إلا بمجموع كلماتها. وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
قوله تعالى:﴾ إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ﴿[البقرة: ٢١٠] أي عذابه وأمره، وأما ذاته المقدسة فمنزهة عن الانتقال والحركة. وهي إما جمع ظلة: قطعة من السحاب لأنها تظل من تحتها. وقرئ﴾ ظلال {، وهو جمع ظل أيضًا نحو غلبة وغلاب، وحفرةٍ وحفارٍ. وإما جمع ظل المراد به الشخص عند من يرى ذلك، وقد تقدم الاستدلال