منها حسبما بيناه في غير هذا الموضع. ويدل للثاني ﴿وإذ هم نجوى﴾ [الإسراء: ٤٧]
أي متناجون. وللقائل بالأول أن يقدر ((وإذ هم نجوى)).
قوله تعالى: ﴿وأسروا النجوى الذين ظلموا﴾ [الأنبياء: ٣] النجوى هنا مصدر فقط. وقد فسرت بقوله تعالى: ﴿هل هذا إلا بشر مثلكم﴾ الآية. وإنما قال تعالى: ﴿وأسروا﴾ مع لفظ ﴿النجوى﴾ منبهة أنهم لم يظهروا ذلك بوجه من الوجوه، لأن النجوى ربما تظهر. فبالغوا بإخفائها، فلله در فصاحة القرآن!
قوله: ﴿وقربناه نجيا﴾ [مريم: ٥٢] أي: مناجيا لربه، أي مناجى من ربه حسبما شرحه في قوله تعالى: ﴿وكلم الله موسي تكليما﴾. فنجي فعيل إما بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول ويقع وصفا للفاعل كما مر، وللجمع كقوله تعالى: ﴿خلصوا نجيا﴾ [يوسف: ٨٠] أي متناجين يتسارون فيما يفعلونه ويقولونه لأبيهم. ومعنى خلصوا أي انفردوا عن كل أحدٍ. ولا نجد لمحض الرأي واستخراج زبدته أعوز من الخلوة وقلة اللفظ.
وانتجيت زيدًا: استخلصته لسري. وأنجي فلان: وأنجي فلان: أتى نجوة وهم في أرضٍ نجاةٍ، أي في أرضٍ مستنجى من شجرها العصى والقسي. والنجا عند الرب: عيدان قد قشرته. وقال بعضهم: نجوت فلانا: استنكهته، واحتج بقول الشاعر: [من الوافر]

١٦٠٣ - نجوت مجالدا فوجدت منه كريح الكلب، مات حديث عهد
وكأن هذا القائل إنما أخذ ذلك من أجل هذا البيت فليس في البيت حجة. وإنما أراد أني ساررته فوجدت من بخره ريح الكلب الميت. وكنى بالنجو عن الأذى الخارج. ومنه شرب دواء فما أنجاه، أي لم يفده. والاستنجاء: قطع النجو وإزالته. وأصل ذلك من النجوة: الأرض المرتفعة التي تقضي بها الحاجة، كما كنى بالغائط عن ذلك، وهو المكان المطمئن الذي يؤتى لقضاء الحاجه. وقيل: معني استنجى طلب نجوة أي


الصفحة التالية
Icon