إلى سفل، هذا أصله، وقد يراد به مجرد الحلول كقوله تعالى: ﴿فإذا نزل بساحتهم﴾ [الصافات: ١٧٧]، أي حل. ويقال: نزلت بالجبل، وإن كان من سفل إلى علو لغلبة الاستعمال، وهو عكس تعال؛ فإنه أصله أن تدعو من هو أسفل أن يرتفع إليك. ثم كثر حتى يقول المستفل للمرتفع: تعال.
وأنزلته مكان كذا: جعلته نازلًا منه. قال تعالى: ﴿وقل رب أنزلني منزلا مباركا﴾ [المؤمنون: ٢٩]. قال بعضهم: إنزال الله تعالى نعمه على خلقه؛ أعطاهم إياها، وذلك إما بإنزال الشيء نفسه، كإنزال القرآن. وإما بإنزال أسبابه والهداية إليه، كإنزال الحديد واللباس ونحو ذلك. قال تعالى: ﴿أنزل على عبده الكتاب﴾ [الكهف: ١] ﴿وأنزلنا الحديد﴾ [الحديد: ٢٥] ﴿قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم﴾ [الأعراف: ٢٦]. ومن إنزال العذاب قوله تعالى: ﴿إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا﴾ [العنكبوت: ٣٤]
قال الراغب: والفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة أن التنزيل يختص بالموضع الذي يشير إلى إنزاله متفرقًا، ومرة بعد أخرى، والإنزال عام. قلت: هذا الذي ذكره الراغب تبعه فيه أبو القاسم الزمخشري، وقد اعترضت عليها بقوله تعالى: ﴿الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة﴾ [الفرقان: ٣٢] فإنه أتى بصيغة ((أنزل)) مع ((جملة)) دفعة واحدة من غير تفريق ولا تنجيم. وقد نقحنا في غير هذا.
قال: وقوله: ﴿لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة﴾ [محمد: ٢٠] فإنما ذكر في الأول ((نزل)) وفي الثاني ((أنزل)) تنبيهًا أن المنافقين يقترحون أن ينزل شيء فشيء من الحث على القتال ليتولوه. وإذا أمروا بذلك دفعة واحدة تحاشوا عنه فلم يفعلوه، فهم يقترحون الكثير ولا يفون منه بالقليل. قوله: ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر﴾ [القدر: ١] إنما خص لفظ الإنزال دون التنزيل لما روى أن القرآن نزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا، ثم