الرابع، الهداية في الآخرة إلى الجنة، وهو المعني بقوله: ﴿الحمد لله الذي هدانا لهذا﴾ [الأعراف: ٤٣] قال: وهذه الهدايات الأربع مرتبة؛ فمن لم تحصل له الأولى لم تحصل له الثانية، بل لا يصح تكليفه. ومن لم تحصل له الثانية لم تحصل له الثالثة والرابعة. ومن حصلت له الرابعة فقد حصل له الثلاث التي قبلها. ومن حصل له الثلاث فقد حصل له اللتان قبلها، ثم لا تنعكس؛ وقد تحصل الأولى ولا يحصل الثاني، ويحصل الثاني ولا يحصل الثالث. والإنسان لا يقدر أن يهدي أحداً إلا بالدعاء وتعريف الطرق دون سائر أنواع الهدايات.
وإلى الأولى أشار بقوله: ﴿وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم﴾ ﴿ولكل قومٍ هادٍ﴾ وإلى سائر الهدايات أشار بقوله: ﴿إنك لا تهدي من أحببت﴾ قال: وكل هدايةٍ ذكر الله تعالى أنه منع الظالمين والكافرين فهي الهداية الثالثة التي هي التوفيق الذي يختص به المهتدون. والرابعة التي هي الثواب في الآخرة وإدخال الجنة ﴿كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم﴾ إلى قوله: ﴿والله لا يهدي القوم الظالمين﴾ [آل عمران: ٨٦].
قوله تعالى: ﴿أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى﴾ [يونس: ٣٥] أي أن الله تعالى هو الذي يهدي خلقه إلى الحق، فهو أحق بالإتباع ممن لا يهدي أن يهتدي بنفسه. يقال: هدى بنفسه يهدي مخففًا بمعنى اهتدى يهتدي، نحو شرى يشري بمعنى اشترى يشتري. إلا أن "يهدي" إلى طريق يسلكها أو عملٍ يرشده إليه. وهذا استفهام توبيخٍ لهم على ما اتخذوه من دون الله إلها بعيد، وإن كان من أشرف الناس وخيرهم كالمسيح وعزيزٍ والملائكة. يعني أن الله وحدة هو الذي يهدي كل أحدٍ، وغيرهم لا يهدي غيره إلا أن يهديه الله.
وقيل: معنى: ﴿لا يهدي كيد الخائنين﴾ [يوسف: ٥٢]، أي لا يصلح. فاستعار الهداية للإصلاح، وهذا كقوله: ﴿إن الله لا يصلح عمل المفسدين﴾ [يونس: ٨١] والمعنى لا يوفقهم لعمل أهل الخير. قوله: {وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى


الصفحة التالية
Icon