ويتعدى ورث بنفسه لواحدٍ، فإذا دخلت عليه الهمزة أكسبته آخر؛ قال تعالى: ﴿وورث سليمان داود﴾ [النمل: ١٦]. وقال تعالى: ﴿وأورثناها بني إسرائيل﴾ [الشعراء: ٥٩]. ويعبر بالإرث عن حصول الأشياء بلا تعبٍ. ويقال لكل من خول شيئًا مهنئًا أورث، وما وصل إليه إرث. قال تعالى: ﴿تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيًا﴾ [مريم: ٦٣]. وقيل: إن تلك المنازل كانت لقومٍ من الكفار، فأورثها الله الأتقياء لسبق الشقاوة لأولئك السعادة لهؤلاء. وقد ورد في ذلك حديث.
والإرث قد يكون بمعنى البقاء، ومنه الحديث: "متعني بسمعي وبصري واجعله الوارث مني" أي الباقي. وقال ابن شميلٍ: أي أبقهما معي حتى أموت، ونقل الهروي عن غيره: إنه أراد بالسمع وعي ما يسمع والعمل به، وبالبصر الاعتبار بما يرى من صفاته جل وعز. الوارث هو الباقي بعد فناء خلقه. فيجوز أنه أراد بقاء السمع والبصر وقوتهما عند الكبر وانحلال القوى النفسانية، ويكون السمع والبصر وارثي سائر القوى والباقيين بعدها. ورد الهاء إلى الإمتاع. ولذلك وحدها بمعنى أنه أعاد الضمير مفردًا وإن تقدم شيئان اعتبارًا بالمصدر المدلول عليه الفعل.
وقوله تعالى: ﴿وليًا يرثني ويرث من آل يعقوب﴾ [مريم: ٦] أي يرث العلم لأنهم لا يعرفون به ولا يقتنونه إلا بقدر ما تدفع الحاجة، ولا يتنافسون فيه بل ينهون عن الاستكثار منه، وعن الاشتغال به عما الإنسان بصدده من الأمور الأخروية، ويزهدون في الدنيا ويرغبون في الآخرة. فكيف يتمنون أن يورثوا غيرهم ذلك؟ وقد قال عليه الصلاة والسلام: "نحن معاشر الأنبياء لا تورث، ما تركناه صدقة". وقوله عليه الصلاة


الصفحة التالية
Icon