وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وإِلي أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: ٨٣] (... ووجه الدلالة في الآيات أن الله تعالى حث على تدبر القرآن والاعتبار بآياته، وبين أن في القرآن ما يستنبطه أولوا الألباب باجتهادهم، ويصلون إليه بإعمال عقولهم، فكيف يمنع ويحظر الطريق الموصّل إلي شيء تعبدنا الله عز وجل به.
[٢] قالوا لو كان التفسير بالرأي غير جائز لما كان الاجتهاد جائزا، ولتعطّل كثير من الأحكام، وهذا باطل واضح البطلان.
[٣] استدلوا بما ثبت من أن الصحابة قرءوا القرآن، واختلفوا في تفسيره على وجوه، ولو كان التفسير بالرأي محظورا، لكان هذا مخالفا من الصحابة ومعاذ الله أن يكونوا قد خالفوا.
[٤] قالوا - أيضا - إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد دعا لابن عباس قائلا: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) فلو كان التأويل مقصورا على السماع والنقل فقط لما كان هناك فائدة لتخصيص ابن عباس بهذا الدعاء.
ولم يكتف القائلون بالجواز بإيراد أدلتهم، بل قاموا بتفنيد أدلة المانعين وأجابوا عنها، وخلاصة جوابهم عنها:
أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن أضيف إليه البيان في الآية إلا أنه لم يثبت عنه تفسير القرآن لفظا لفظ اعتمادا على فهم الناس يومئذ وسلامة سليقتهم، كما أن ما ورد من النهي محمول على من قال برأيه في المشكل من القرآن ونحوه مما لا يعلم إلا عن طريق النقل، وهو محمول أيضا على الرأي الذي يغلب على صاحبه من غير دليل يستند إليه، أما الرأي الذي يشهد له الدليل ويشدّه البرهان فجائز، وما ورد عن السلف من آثار تفيد تحرّجهم فهي محمولة على ورع واحتياط منهم، ويحمل إحجامهم على أنه كان مقيدا بما لم يعرفوا وجه الصواب فيه، أما إذا عرفوا وجه الصواب فيه فلم يكونوا يتحرجون من إبداء ما يظهر لهم ولو