وحكم المتشابه: أنه يجب التوقف عن تأويله إلا في حدود المعنى الظاهر منه، مع وجوب الإيمان به على وفق مراد الله تعالى منه، ويكفي أن يجعل الله تعالى من يحاول تأويل المتشابه من أهل الزيغ فيقول: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ [آل عمران: ٧]، ويجعل من يقفون عن تأويله ويؤمنون بالمحكم والمتشابه على سواء من الراسخين في العلم، فيقول: والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا [آل عمران: ٧].
طرف من الحكمة من إنزال المتشابه في القرآن:
قد يقول قائل: هلّا جعل الله القرآن كله محكما دالا على ما أراده ليكون أكشف للحق وأمنع للشبهة لِيَهْلِك مَنْ هَلَك عَنْ بَيِّنَةٍ ويَحْيي مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال: ٤٢].
والجواب: أنه ربما تكون الحكمة في ذلك أن الله تعالى أراد أن يشغل أهل العلم بردهم إلي المحكم فيطول بذلك فكرهم، ولو أنزله كله محكما لاستوي فيه العالم والجاهل، كما أن لو كان كله محكما ما كان يحتاج إلي طول بحث ونظر وقد يترتب على هذا أن ينصرفوا عنه عند ما ييأسوا من أن يكون فيه معان متجددة، وقيل إن من حكمة إنزال المتشابه أن الله أراد أن يختبر الراسخين في العلم هل سيقفون عند حدود ما علّمهم أم أنهم سيحاولون البحث فيما استأثر هو بعلمه، فإن وقفوا وسلموا كان هو المطلوب وهو النجاح، فأمنية العلماء البحث ومعرفة الأسرار فابتلاهم الله بما هو خلاف هواهم وعكس متمناهم..
كما ابتلي الله جنود طالوت بالنهر: إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكمْ بِنَهَرٍ [البقرة: ٢٤٩] (١).
موقف السلف من المتشابه:
لعل من المهم هنا ونحن نتحدث عن المتشابه من القرآن ووجوب معرفته