مثال آخر لتوضيح المشكل: قال تعالى: نِساؤُكمْ حَرْثٌ لَكمْ فَأْتُوا حَرْثَكمْ أَنَّي شِئْتُمْ [البقرة: ٢٢٣].
فلفظ (أني) فيه إشكال: حيث يستعمل في لغة العرب بمعني: (كيف - ومتي - وأين - وحيث).
فإذا تأولنا معناها (أين وحيث) فإنه لا يلتئم مع سياق الآية لأن قوله تعالى نِساؤُكمْ حَرْثٌ لَكمْ هو في حقيقته تفسير لما قبله، وهو قوله تعالى: فَأْتُوا حَرْثَكمْ أَنَّي شِئْتُمْ أي إن المأتي الذي أمركم الله به هو مكان الحرث الذي منه الإنجاب، وإذا أولنا (أني بمعنى (متى) فإنه لا يصح لأنها تتضمن مطلق الزمان والله تعالى يقول: فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ ولا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّي يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكمُ اللَّهُ [البقرة: ٢٢٢].
وبعد التأمل والنظر في المعاني والسياق اتضح أن معنى أَنَّي يرجع إلي معنى (كيف) وبذلك زال الإشكال (١).
ثالثا: المجمل:
[١] تعريفه: لغة هو المجموع، يقال أجملت الشيء إجمالا إذا جمعته عن تفرقة، وأكثر ما يستعمل في الكلام الموجز (٢).
واصطلاحا: المجمل ما له دلالة على أحد أمرين، لا مزية لأحدهما على الآخر (٣).
وقيل هو ما ازدحمت فيها المعاني واشتبه المراد منه اشتباها لا يدرك بنفس العبارة بل الرجوع إلي الاستفسار والتأمل (٤).
(٢) جمهرة اللغة، لابن دريد ٢/ ١١١.
(٣) الإحكام في أصول الأحكام ٣/ ١١.
(٤) أصول البزدوي ١/ ٥٤.