كذلك كان الصحابة لا يصدقون أهل الكتاب فيما يخالف الشريعة الإسلامية أو يتنافي مع العقيدة، وإذا سألوا أهل الكتاب عن شيء فأجابوا عنه خطأ ردّوا عليهم خطأهم، فقد ذكر القسطلاني عند تعليقه على حديث: (إن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه إياه) أن أبا هريرة سأل كعب الأحبار عن ذلك، فقال كعب هي في جمعة واحدة من السنة فردّ عليه أبو هريرة وبيّن له أنها في كل جمعة فرجع كعب إلي التوراة فوجد الصواب مع أبي هريرة (١).
ومهما يكن من أمر فإن الصحابة لم يخرجوا عن حدّ الجواز الذي حدّه لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في التحديث عن بني إسرائيل لما قال: (بلغوا عني ولو آية، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) (٢).
ومحال أن يجيز لهم النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التحديث بالكذب، فيكون المعنى حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه.
وما ورد عن - الإمام أحمد من حديث جابر - والذي فيه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضب لما جاء عمر بن الخطاب بصحيفة أصابها من أهل الكتاب وقال له: «أمتهوك فيها، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو باطل فتصدقوا به.. والذي نفسي بيده لو أن موسي حيا ما وسعه إلا أن يتبعني» فهو محمول على أن النهي عن التحديث عن بني إسرائيل كان قبل استقرار الأحكام والقواعد الدينية في الإسلام خشية الفتنة فلما زال المحذور وقع الإذن في ذلك (٣).
(٢) البخاري: ك أحاديث الأنبياء، باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل.
(٣) مسند الإمام أحمد ٣/ ٣٨٧ (الحديث بمعناه)، والتعليق من فتح الباري ١٣، ٢٥٩.