الصحابة بحملهم الظلم في الآية علي عمومه، حتى يتناول كلّ معصية، بل عذرهم لأنه ظاهر في التأويل، ثم بيّن لهم المراد بما رفع الإشكال» (١).
لقد أوّل بعض الصحابة الآية علي غير وجهها، وفهموها فهما غير صائب، واعتبروا الظلم فيها شاملا لكلّ معصية، وهذا تأويل خاطئ منهم، لكنه تأويل باجتهاد، فلم يؤاخذهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم علي ذلك، بل عذرهم، ثم صحح لهم تأويلهم وصوب لهم فهمهم.
وهكذا الحديثان الآخران في الباب- الثالث والرابع- ففي الحديث الثالث أخطأ بعض الصحابة فهم وتأويل موقف أحدهم، وهو مالك بن الدخشن، واعتبروه منافقا بسبب ذلك الموقف، فصوّب لهم رسول صلّى الله عليه وسلّم تأويلهم، واعتبره مسلما صادقا، وطالبهم بإجراء أحكام الاسلام علي الظاهر، ومع ذلك عذرهم في فهمهم، ولم يؤاخذهم بتأويلهم.
وفي الحديث الرابع بيان خطأ حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه في فهمه وتأويله حيث كتب كتابا إلي أهله في مكة، يخبرهم بتوجّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لفتح مكة، وذلك ليس إذاعة منه لسرّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنما ليقدم خدمة لأهله في مكة. وقد صوّب له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهمه وتأويله، ولم يؤاخذه به (٢).
إن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد رفض تأويلات غير سديدة لبعض المسلمين، وبيّن لهم المعنى الصائب والموقف الصحيح، ولكنه عذرهم لأنّ ظاهر النص أو الحادثة قد يوحي بذلك التأويل الذي فهموه.
ومن هذه الأمثلة نري أنّ التأويل في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد ورد بمعنى الفهم والتفسير والبيان، سواء كان هذا صوابا أم خطأ.
(٢) انظر فتح الباري: ١٢/ ٣٠٣ - ٣١١.