ثم ركب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم دابته، فسار، حتى دخل علي سعد بن عبادة، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم: (يا سعد: ألم تسمع ما قال أبو حباب- يريد عبد الله ابن أبيّ- قال: كذا وكذا).
قال سعد: يا رسول الله: اعف عنه واصفح عنه. فو الذي أنزل عليك الكتاب، لقد جاء الله بالحقّ الذي أنزل عليك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة علي أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة، فلما أبي الله ذلك بالحق الذي أعطاك، شرق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت! فعفا عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله، ويصطبرون علي الأذي. قال الله عز وجل: ولَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ومِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذيً كَثِيراً (١). وقال الله: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً، حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ، فَاعْفُوا واصْفَحُوا حَتَّي يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ (٢).
وكان النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يتأوّل العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم.
فلما غزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بدرا، وقتل الله به صناديد كفار قريش، قال ابن أبي بن سلول ومن معه من المشركين وعبدة الأوثان: هذا أمر قد توجّه، فبايعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم علي الإسلام، وأسلموا.» (٣).
الشاهد في الحديث ذكر- رواية- أسامة بن زيد- رضي الله عنه آية من كتاب الله، أمر الله فيها الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين بالعفو والصفح عن أهل الكتاب والمشركين، حتى يأتي الله بأمره، ويأمرهم بقتال الكافرين.
(٢) سورة البقرة: ١٠٩.
(٣) صحيح البخاري: ٦٥ كتاب التفسير: ١٥ باب: ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذي كثيرا: حديث رقم: ٤٥٦٦.