وأما التفسيرُ على المعنى، فهو ما كان خارجاً عن المعنى المطابقِ للَّفظِ في لغة العرب، مبيِّناً للمعنى المرادِ من اللَّفظ في الآية، ولم يكن من باب القياس؛ كتفسير قتادة لقوله تعالى: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾ [البلد: ١٤]، قال: يوم يُشتهى الطعام، والمَسْغَبة: المجاعة، فعبَّر عنها بهذا التعبير، وهو أعمُّ من يوم المجاعة؛ لأن الطعامَ يُشتهى في كلِّ وقتٍ، لكنه في يوم المجاعةِ أكثر.
وكذا تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا﴾ [الشمس: ٣]، قال: إذا غَشِيَها، والتَّجْلِية: الإظهارُ والإيضاح، فإذا جلاَّها النهار، فقد غَشِيَها، فيكون تعبيراً عن لازمِ اللفظ، لا عن معناه في اللغة، والله أعلم.
وأما التفسيرُ على القِياس، فهو حملُ الآيةِ على ما يشابهها في المعنى، أو تدلُّ عليه بدلالةِ الإشارة؛ كتفسيرِ سورة النصر بأنها قُرْبُ أجلِ الرسول صلّى الله عليه وسلّم، قال ابن عبَّاسٍ: «كان عمرُ يُدْخِلُني مع أشياخِ بدرٍ، فكأنَّ بعضَهم وَجَدَ في نفسه، فقال: لم تُدْخِل هذا معنا ولنا أبناءٌ مثلُه؟ فقال عمر: إنه من حيث عَلِمْتُم، فدعا ذاتَ يوم، فأدخلني معهم، فما رُئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليُرِيَهُم.
قال: ما تقولونَ في قول الله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ﴾ [النصر: ١]؟ فقال بعضُهم: أمَرَنا نحمدُ اللَّهَ ونستغفرَه إذا نَصَرنا وفتحَ علينا، وسكتَ بعضهم فلم يقُل شيئاً.
فقال لي: أكذاكَ يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجلُ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم أعلَمَهُ له، قال: إذا جاءَ نصرُ اللَّهِ والفتحِ، وذلك علامةُ أجَلِكَ، فسبِّح بحمدِ ربِّك واستغفِره إنه كان توَّاباً.
فقال عمر: ما أعلمُ منها إلا ما تقول».
وأسبابُ الاختلافِ غير هذه كثيرة، وإنما أشرتُ هنا إلى بعضِها، والله أعلم.