١٠ - قولُه تعالى: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى﴾: هذا بيانٌ للفريقين اللَّذَينِ يسمعانِ الذِّكرى، فالفريقُ الأول هو الذي حَصَلَتْ آثارُ التذكيرِ في قلبه، فوقعَ منه التذكُّرُ، وهو الذي يخافُ اللَّهَ على علمٍ وتعظيمٍ ومحبةٍ له.
١١ - ١٣ - قولُه تعالى: ﴿وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى *الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى *ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا﴾: وهذا الفريقُ الثاني الذي يسمعُ الذِّكرى، ولكنه يتباعدُ عنها، فلا يقعُ في قلبه تذكُّر، فهو شديدُ الشِّقْوَة، فلا يسعَدُ بسبب تلك الشِّقوة التي حصَلَت له بسببِ كُفره بالله.
وهذا الأشقى سيدخلُ النارَ الكبرى التي هي شديدةُ العذابِ والألمِ، فتشويه بحرِّها، ثمَّ هو لا يموتُ فيستريحُ من عذابها، ولا يحيى حياةً كريمةً لا إهانةَ فيها، ومعنى ذلك أنه لا يزولُ عنه الإحساس، بل هو باقٍ فيه، فيذوقُ به العذابَ، والعياذُ بالله.
١٤ - ١٥ - قولُه تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى *وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾؛ أي: حَصَلَ الظفرُ والفوزُ والنجاح لمن جعلَ نفسَه زاكيةً بتركِ السيِّئات، وحلاَّها بالعملِ الصالح، وذكَرَ ربَّه بقلبِه ولسانه، فأقامَ الصلاةَ لله (١).
_________
= ومجيء «إنْ» المقتضي عدمَ احتمال وقوعِ الشرط، أو نُدرة وقوعه، فيه تنبيهٌ على أنَّ في القوم المذكَّرين من لا تنفعه الذِّكرى، ويفسِّر هذا ما جاء بعدها من قوله: ﴿سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى *وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى﴾.
(١) ورد في تفسير التَّزَكي خلافٌ بين السلف:
الأول: من كان عملُه زاكياً، وهو قول ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة: «من تزكَّى من الشرك»، وهو قول الحسن من طريق هشام، وقتادة من طريق معمر، وعكرمة من طريق الحكم.
الثاني: قد أفلح من أدَّى زكاةَ مالِه، وهو قول أبي الأحوص، وقتادة من طريق سعيد.
الثالث: من أدَّى زكاةَ الفطرِ، وهو قول أبي العالية من طريق أبي خلدة.
والظاهرُ من الخطابِ العموم، وما ذُكِرَ من تفسيراتٍ غيرَه فإنها أمثلة لأعمالٍ تُزَكِّي المسلم، ويظهرُ من رواياتِ مَنْ فسَّر التزكِّي بزكاة المال، أو زكاةِ الفطر، أنَّه استشهد بهذه الآيات، لا أنه أرادَ أنها هي المعنية دون غيرِها؛ لأنَّ السورةَ مكية، وزكاةُ الفطرِ =