١١ - ١٤ - قولُه تعالى: ﴿الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ *فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ *فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ *إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾؛ أي: عادٌ وثمود وفرعون الذين تجاوزوا ما أباحَ الله، وكفروا به في البلاد التي كانوا يسكُنونها. فأكثروا في هذه البلادِ المعمورةِ المعاصيَ وركوبَ ما حرَّم الله. فأنزلَ الله عليهم عذابَهُ ونقمَتَه. والله يرقُبُ أعمالَ هؤلاء الكافرين الذين أنزلَ بهم عقوبته، وهو بالمِرْصادِ لكلِّ الكافرين فلا يفلت منهم أحدٌ.
١٥ - ١٦ - قولُه تعالى: ﴿فَأَمَّا الإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ *وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ﴾: لما ذكرَ الله أنه أوقعَ العذابَ بهذه الأممِ الكافرةِ التي كانت في مَنَعَةٍ وقوَّة، نبَّهَ على اعتقادٍ خاطئٍ عند الناس، وهو أن التوسِعَةَ على العبد في الرِّزق دليلٌ على تكريمِ اللَّهِ له، وأن التضييقَ عليه في الرزق دليلٌ على غضبِ الله عليه، وهذا المفهومُ مما يقعُ فيه الإنسانُ الكافر (١) الذي إذا امتحَنَه رَبُّه المنعِمُ عليه، فأنعمَ عليه بالمال، ووسَّعَ عليه، فَرِحَ وجعلَ هذا دليلاً على رضا الله
_________
= نجيح، وأبي رافع، وسعيد بن جبير من طريق محمود، وعنه من طريق رجل مجهول: «منارات يعذبهم عليها».
الثالث: مَظَالٌّ وملاعبُ يلعبُ تحتها، وهو قول قتادة من طريق معمر وسعيد.
قال الطبري: «وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: عنى بذلك: الأوتاد التي تُوتَد من خشبٍ كانت أو حديد؛ لأن ذلك المعروف من معاني الأوتاد، ووُصِفَ بذلك لأنه: إما أن يكونَ كان يعذِّب الناس بها، كما قال أبو رافع وسعيد بن جبير، وإما أن يكونَ كان يلعبُ بها».
ويظهر أن مرجِعَ الخلافِ الاحتمال اللغوي في لفظ الأوتاد، فهو يُطلق على هذه المذكورة، غير أن أشهرَ إطلاقاتِها ما رجَّحه الطبري، والله أعلم.
(١) هذا بالنظر إلى أن لفظَ الإنسانِ في القرآن المكيِّ للكافر، ولكن يدخلُ معه من ضَعُفَ إيمانه من المسلمين، واعتقدَ هذا المُعْتَقَدَ، وكذا كلُّ وَصْفٍ اتَّصَفَ به الكافر، فإن من تشبَّه به من المسلمين فإنه يدخل في خطابه، قال ابن عطية: «ومن حيث كان هذا غالباً على الكفار جاء التوبيخُ في هذه الآية باسم الجنس، إذ يقع بعض المؤمنين في شيءٍ من هذا المَنْزَعِ». والله أعلم.