٢٧ - ٣٠ - قولُه تعالى: ﴿يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ *ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَةً *فَادْخُلِي فِي عِبَادِي *وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾؛ أي: تُنادى هذه النفوسُ التي هدأَت وسَكَنَت إلى وَعْدِ الله لها (١): ارجعي إلى خالقِكِ (٢) راضيةً بما قَسَمَ اللَّهُ لك، مرضيًّا عنكِ من الله، فادخلي في عبادي الصالحين (٣)؛ كقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ﴾ [العنكبوت: ٩]، وادخُلي في جنَّتي التي وعدتُّكِ بها في الآخرة، والله أعلم.
_________
(١) ورد عن السلف تعابير عن معنى النفس المطمئنَّة، ومنها: قول ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة: «المصدِّقة»، وعن قتادة من طريق سعيد: «هو المؤمنُ اطمأنت نفسه إلى ما وعدَ الله»، وعنه وعن الحسن من طريق معمر: «المطمئِنَّة إلى ما قال الله، والمصدِّقة بما قال»، وعن مجاهد من طريق منصور: «النفس التي أيقنت أنَّ الله ربَها، وضرَبت جأشاً لأمره وطاعته»، وعنه من طريق ابن أبي نجيح: «الْمُخْبِتَة والمطمئِنَّة إلى الله». وهذه أوصافٌ تصدُقُ على النفس المطمئنة.
وقد وردَ عن أبي صالح من طريق إسماعيل بن أبي خالد، وزيد بن أسلم من طريق ابنه أسامة: أنها تُقالُ للمؤمن عند خروج روحِه، ويشهدُ لهذا ما وردَ في حديث البراء بن عازب في خروج روحِ المؤمن أنه يقال له: اخرُجي راضيةً مرضيّاً عنك. والله أعلم.
(٢) وردَ عن ابن عباس من طريق العوفي، والضحاك من طريق عبيد، وعكرمة من طريق سليمان بن المعتمر: أن الربَّ هنا صاحبُ النفس، والمعنى: ارجعي إلى جَسَدِ صاحبِك. قال ابن كثير: «واختاره ابن جرير، وهو غريب، والظاهر الأول؛ لقوله: ﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ﴾ [الأنعام: ٦٢]، ﴿وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ﴾ [غافر: ٤٣]؛ أي: إلى حُكمه والوقوفِ بين يديه».
(٣) وردَ ذلك عن قتادة من طريق سعيد، وفسَّرها محمد بن مزاحم: «في طاعتي»، وهذا تفسيرٌ غريب، وورد عن ابن عباس أنه كان يقرؤها «في عبدي»، قال الكَلْبي: «الروحُ ترجِعُ إلى الجسد». قال الطبري: «والصوابُ من القراءة في ذلك: ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي﴾ بمعنى: فادخُلي في عبادي الصالحين؛ لإجماع الحجَّة من القرّاء عليه».


الصفحة التالية
Icon