أمَّا الصحابةُ فلا خِلافَ في حُجِّيَّتِهِمْ في اللغة، وأنَّ الوارِدَ عنهم كالوارِدِ عن غيرِهِم من شعراءِ الجاهليةِ وغيرِهم من العرب، ويَلْحَقُ بهمُ التابعونَ الذين عاصَروا زَمَنَ الاحتِجاج، ولا يخرُجُ أحدُهم من الاحتجاج بقوله إلاَّ بعلَّةٍ ظاهِرة.
أما أتباعُ التابعين، فقد كانوا في أوَّلِ عصرِ تدوينِ اللغة، ولذا، فإن لم تحتجَّ بما ورد عنهم من تفسيراتٍ لُغوية في ثبوتِ معاني الألفاظ في اللغة، فالأقربُ أن يكونوا من نَقَلَةِ اللغة.
وإذا نظرتَ في تدوين معاني مفرداتِ اللغة وجدتَ أنه بدأ في النِّصف الثاني من القرنِ الثاني على يدِ جمعٍ من علماءِ اللغة، وكانت كتاباتهم أشبهَ بالرسائلِ الصغيرة تكونُ في الموضوعِ والموضوعَيْنِ، أو في أشياءٍ شتَّى. وكانت أولُ محاولةٍ لجمعِ ألفاظِ العربِ على يدِ الخليل بن أحمد (ت: ١٧٥) في كتابه العَيْن، ثم تبِعَه غيره من علماء اللغة؛ كتلميذِه النَّضْرِ بن شُميل (ت: ٢٠٤) الذي ألَّف كتابَ الجيم، وأبي عمرو شمر بن حَمْدَوَيْه (ت: ٢٥٥) الذي ألَّف كتابَ الجيم، وأبي طالب المفضَّل بن سَلَمة (ت: ٢٩٠) الذي ألَّف كتابَهُ البارع في اللغة، وأبي بكر بن دُرَيْد (ت: ٣٢١) الذي ألَّف كتابه الجَمْهَرة في اللغة، وغيرهم.
وهذه المؤلَّفات اللُّغوية وغيرها مما ألَّفه علماءُ اللغة فيها، صارت المرجِعَ لأيِّ دارسٍ يبحثُ عن معاني مفرَدات كلامِ العرب، فهل يعني أن هذه المؤلَّفات اللغوية شملَت كلَّ معاني مفرَدات ألفاظِ العرب؟
قال أبو عُبيدٍ القاسم بن سلام (ت: ٢٢٤): «... الجدف: لم أسمعه إلا في هذا الحديث، وما جاء إلاَّ وله أصلٌ، ولكن ذهبَ من كان يعرِفُه ويتكلَّمُ به، كما ذهب من كلامِهم شيءٌ كثير» (١).
وقال الأَزْهري (ت: ٣٧٠): «ورُوي عن إبراهيم أنَّ المسيحَ: الصدِّيق.
_________
(١) تهذيب اللغة: ١٠: ٦٧١.


الصفحة التالية
Icon