٣ - قولُه تعالى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾: هذا جوابُ القَسَمِ، والمعنى: ما تركَكَ ربُّكَ يا محمد صلّى الله عليه وسلّم وما أبغضَك.
٤ - قولُه تعالى: ﴿وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى﴾: يقسِمُ ربُّنا لنبيِّه صلّى الله عليه وسلّم أنَّ الدارَ الآخِرةَ بما أعدَّه الله له فيها خيرٌ له من الدنيا وما فيها، وهذه بشارةٌ للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فيها تأكيدُ عَدمِ تركِ الله وبغضِه له، فلا يحزنُ مما يقعُ له.
٥ - قولُه تعالى: ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾: ويقسِمُ له مؤكِّداً بأنه سيعطيه ويُنْعِمُ عليه كلَّ ما يرجوه من خيرٍ له ولأمَّتِه حتى يرضى بهذا العطاء (١).
٦ - ٨ - قولُه تعالى: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى *وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى *وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى﴾: يَمْتَنُّ اللَّهُ على نبيِّه صلّى الله عليه وسلّم معدِّداً عليه شيئاً من نِعَمِه،
_________
= والقولان الأول والثاني يرجعان إلى دلالتين في «سجى» الأولى: السكون، والثانية التغطية، ومنه تسجية الميت أي تغطيته، وعلى تفسير الحسن، قال: «إذا لبس الناس، إذا جاء»، ومن ثمَّ يكون الخلاف راجعاً إلى أكثر من معنى بسبب الاشتراكِ اللغوي في هذه اللفظة.
أما تفسيرُ ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة، فلم أجِدْهُ مذكوراً في كُتب اللغة، وواضح أنه تفسير لغوي، وإذا فُسِّرَ به صارَ اللفظُ من الأضداد؛ لأن أقبلَ بظلامه وذهبَ ضِدَّان، ويبقى أن سببَ الاختلاف الاشتراك اللغوي في معنى اللفظ، والله أعلم.
(١) الواردُ عن السلف في التفسير تخصيصه بإعطاء الآخرة، وكأنهم ربطوا الآية بما قبلها، وهي أنَّ خيرَ الآخرةِ له أفضلُ من الدنيا، ولأنه سيُعطى من خيرِها حتى يرضى، ولو حُمِلَ على عمومِ الإعطاء فهو مُحتمل، ويكون تفسير السلف مثالاً لنوع من أشرف أنواع الإعطاء الإلهي للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والله أعلم.
وقد ورد التفسير عن ابن عباس من طريق ابنه علي، قال: «أعطاهُ الله في الجنة ألفَ ألفِ قصر، في كل قصرٍ ما ينبغي له من الأزواج والخَدَم»، قال ابن كثير: «وهذا إسنادٌ صحيح إلى ابن عباس، ومثلُ هذا لا يقالُ إلا عن توقيف».
ووردَ عنه من طريق السدي: «من رِضا محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم أن لا يَدْخُلَ أحدٌ من أهلِ بيته النار»، وفيه انقطاعٌ بين السدي وابن عباس. وورد عن قتادة من طريق سعيد أن هذا الإعطاء يكونُ يومَ القيامة، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon