سورةُ الِّتين
١ - ٣ - قولُه تعالى: ﴿وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ *وَطُورِ سِينِينَ *وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ﴾: يُقسِمُ ربُّنا بشجرتَي التِّينِ والزيتونِ، وفيه إشارةٌ إلى مكانِ نباتِهما، وهو الشامُ مَوْطِنُ كثيرٍ من أنبياء بني إسرائيل (١)؛ كعيسى ابن مريم، ويقسِمُ
_________
(١) اختلفت عباراتُ المفسِّرينَ في تفسير التين والزيتونِ على أقوال:
١ - التينُ الذي يؤكل، والزيتونُ الذي يُعْصَر، وهو قول الحسن من طريق عوف وقتادة، وعكرمة من طريق الحكم ويزيد وأبي رجاء، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح وخصيف، وإبراهيم النخعي من طريق حماد، والكلبي من طريق معمر.
٢ - التين: مسجدُ دمشق، والزيتون: بيتُ المَقْدِسِ، وهو قولُ كعبِ الأحبار من طريق يزيد أبي عبد الله، وقتادة من طريق سعيد ومعمر، وابن زيد.
٣ - التين: مسجدُ نوح، والزيتون: مسجدُ بيت المقدس، وهو قول ابن عباس من طريق العوفي.
قال الطبري: «والصوابُ من القول في ذلك عندنا، قول من قال: التين: هو التين الذي يؤكل، والزيتون هو الزيتون الذي يُعْصَرُ منه الزيت؛ لأن ذلك هو المعروفُ عند العرب، ولا يُعرَفُ جبلٌ يُسمَّى تيناً ولا جبلٌ يُسمَّى زيتوناً، إلاَّ أن يقولَ القائل: أقسمَ ربُّنا جلَّ ثناؤه بالتِّين والزيتون، والمرادُ من الكلام القسم بمنابتِ التين ومنابتِ الزيتون، فيكونُ ذلك مذهباً، وإن لم يكن على صحة ذلك أنه كذلك دلالة في ظاهر التنزيل، ولا من قول من لا يجوز خلافه؛ لأنَّ دمشق بها منابت التين، وبيت المقدس منابت الزيتون».
وهذا الذي قاله السلفُ في تفسيرِهِم حقٌّ، ويدلُّ عليه ظاهرُ التنزيل؛ لأنَّ الله سبحانه عطف على هاتين أسماء أماكن، وهذا يشير إلى أنَّ المرادَ بالقسَمِ هاتان الشجرتان وأماكن نباتهما، ولهذا كانت كلُّ الأقوال المذكورة في التين والزيتون لا تخرجُ عن الشَّامِ التي هي موطنُ كثيرٍ من النبوات، خصوصاً نبوات بني إسرائيل، ولذا قال بعض العلماء: «هذه محالٌّ ثلاثة بعثَ الله في كلِّ واحدٍ منها نبياً مرسَلاً من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار. =