وبُعِثَ إليهم، وهُم قد عرَفوه، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ [البقرة: ٨٩]، فكفروا به جُحوداً، وآمنَ به بعضُهم، وقد كانوا قبلَ أن يُبعثَ غيرَ متفرِّقينَ فيه، فهم يعرفونَ صِفتَه.
٥ - قولُه تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾؛ أي: وما أمَرَ الله اليهودَ والنصارى في القرآنِ إلاَّ بما هو في كُتبهم: من عبادةِ الله وحدَهُ والمَيلِ عن الشِّرك، وإقامةِ الصلاة، وإخراجِ زكاةِ أموالهم، وذلك المأمورُ به هو الدينُ المستقيمُ الذي لا اعوِجاجَ فيه، وذلك مما يدلُّ على صِدقِ هذا الرسولِ المرسَلِ إليهم.
٦ - قولُه تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾؛ أي: إنَّ هذين الفريقين من الذين كفروا فجَحَدوا نبوَّةَ محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم سيدخلونَ نارَ جهنَّمَ ويمكثونَ فيها أبدَ الآباد، لا يخرُجونَ منها، ولا يموتونَ فيها، ثُمَّ وصفَهُم بأنهم شَرُّ مَنْ بَرَأَهُ اللَّهُ وخَلَقَهُ.
٧ - ٨ - قولُه تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ *جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾؛ لما ذكرَ الصِّنْفَ الأولَ من الذين تفرَّقوا في البيِّنة، وهم الذين لم يؤمنوا، أعقبَهُم بذكرِ الصِّنْفِ الثاني، وهم الذين آمنوا بالبيِّنة وعملوا الأعمال الصالحات التي تقرِّبهم إلى الله، وهؤلاء هُم خيرُ من بَرَأَهُ الله وخلَقَهُ، وسيكون ثوابهم منه تلك البساتين التي هي محلُّ إقامةٍ لا تَحَوُّلَ عنها، وهي التي تسمَّى جنَّاتِ عدن، التي تجري أنهارها على سطح أرضِها بدون أخاديد تحدُّها، وهؤلاء هُم الذين رضيَ الله عنهم بما أطاعوه في الدنيا، ورضوا عنه بما أعطاهُم من النعيم الذي لا يحصَلُ إلاَّ لمن خافَ ربَّه في الدنيا وأحبَّه وعظَّمه، والله أعلم.
_________
= خبرِه شيءٌ، وكانوا يتلقَّفونَ ذلك منهم، ومن ذلك ما كان يتهدَّدُ به يهودُ المدينةِ الأنصارَ، فيقولون لهم: «إذا خرجَ نبي آخِر الزمان، قتلناكُم قتلَ عادٍ». والله أعلم.