سورةُ العادِيات
١ - ٥ - قولُه تعالى: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا *فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا *فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا *فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا *فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾: يقسِمُ ربُّنا بالخيلِ التي تجري وهي تُحَمْحِمُ؛ أي: يَصْدُرُ عنها صوتٌ يتردَّدُ في الحَنْجَرَةِ من شدَّة الجري (١)، ويتوقَّدُ شررُ النار من شدَّةِ احتكاك أقدامِها بالحَصَى (٢) وهي
_________
(١) اختلفَ السلفُ في المرادِ بهذا القَسَم، والملاحَظُ أن ما بعدَه معطوفٌ عليه، فيكونُ من جنسِه.
والقولُ الأول: أنها الخيل، وهو قول ابن عباسٍ من طريق العوفي ومجاهد وعطاء، وعكرمة من طريق أبي رجاء، وعطاءِ بن أبي رباح من طريق ابن جريج وواصل، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقتادة من طريق معمر وسعيد، وسالم من طريق سعيد بن أبي عروبة، والضحَّاك من طريق عبيد. وإن كانت السورة مكية، ففيها الإشارةُ إلى الجهاد.
القول الثاني: أنه الإبل، ويكون التأويل: والإبل التي تَضْبَحُ بصوتها، وقيل هي إبلُ الحُجَّاج، فَتُورِي الشَّرَرَ بشدَّةِ جَرْيِها على الحَصَى، فتدفعُ مسرعةً في سيرها إلى مزدلِفة، فتثيرُ الغبار، فتتوسط مزدلفة، وهي جمع. وقد فسَّرها بأنها الإبل: ابن مسعود من طريق إبراهيم النخعي ومجاهد، وعلي بن أبي طالب من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس، وإبراهيم النخعي من طريق منصور، وعبيد بن عمير من طريق عمرو بن دينار.
وقد أنكرَ بعضهم أن تكونَ الإبل؛ لأن الضَّبْحَ إنما يكونُ من الخيل، وهذا فيه نظر؛ لأن ثبوت هذا التفسير عن هؤلاء السلفِ يدل على صحَّة هذا الإطلاقِ في اللغة؛ لأنهم من أهلها، وهم أعلمُ بها من المنكرين من المتأخرينَ عليهم، وأما محاولةُ تخريجِ قولهم على أن مرادَهم تفسير الضبحِ بالضَّبْعِ، وهو مدُّ العُنق في السير، على أسلوبِ القلبِ بين العين والحاء فيهما، فهي دعوى لا دليلَ عليها، ولم يُشر هؤلاء السلف العرب إلى هذا في تفسيرِهم، ومن ثمَّ فإن الصوابَ أن يُحكى هذا لغةً، والله أعلم.
(٢) اختلف السلفُ في تفسير الموريات، على أقوال: =


الصفحة التالية
Icon