يشهد على نفسه بكفرانه نعمة الله عليه (١)، وإنَّ هذا الإنسانَ الكنود محبٌّ للمالِ حُبًّا شديداً، فهو يبخَلُ به، وذلك من كفرانِه نعمةَ ربِّه.
٩ - ١١ - قولُه تعالى: ﴿أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ *وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ *إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ﴾؛ أي: أفلا يدري هذا الإنسان الكَنودِ عن عقابه إذا أُثيرَ ما في القبور، فأُخرِجَ منها الموتى، وجُمعَ وأُبرِز ما في صدورِ الناس من خيرٍ وشرٍّ؟، فإن عَلِمَ ذلك، فليعلَم أنَّ ربَّه الذي سادَه وصرَّفَ أمرَه بربوبيَّتِه له عالمٌ ببواطِن أعمالهم، وما أسرُّوه في صدورِهم وما أعلَنوه، لا يخفَى عليه شيءٌ، وهو مُجازيهم عليها، والله أعلم.
_________
= ومجاهد من طريق منصور وابن أبي نجيح، والربيع من طريق أبي جعفر، والحسن من طريق معمر، وقتادة من طريق سعيد، وسماك بن حرب من طريق شعبة، وابن زيد، وزاد الحسن من طريق سفيان الثوري في وصفه فقال: هو الكَفورُ الذي يعدُّ المصائب، وينسى نِعَمَ ربِّه، ورواه أيضاً من طريق سفيان عن هشام عنه.
(١) ورد هذا التفسير عن قتادة من طريق سعيد، وسفيان من طريق مهران، وفي رواية أخرى عن قتادة من طريق سعيد، قال: «في بعض القراءات: إنَّ الله على ذلك لشهيد»، وهذا تفسيرٌ للضمير في «إنه» على القراءة المعروفة، وقد وردَ عن محمد بن كعب القرظي أن الضميرَ للإنسان، والمعنى: «وإن هذا الكَفورَ شهيدٌ على نفسِه بكُفره؛ أي بلسانِ حاله»، قاله ابن كثير.
وهذا القولُ ألْيَقُ باتساق الضمائر، وعودُها على الظاهر في أول الكلامِ من غير حاجةٍ إلى التقديم والتأخير؛ أي: إنَّ الإنسان، وإنه، وإنه. ولهذا جعل قتادة الكلام على التقديم والتأخير، فقال: «هذا في مقاديمِ الكلام، قال: يقول الله: إن الله لشهيدٌ أن الإنسانَ لحبِّ الخير لشديد».
والاختلاف هنا من قبيل اختلاف التنوُّع، وهو يرجع إلى أكثر من معنى، وسببه الاختلاف في مفسَّر الضمير، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon