١ - قولُه تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ﴾ يقسِمُ ربُّنا بالدَّهر؛ أي: الزمانُ الذي تقعُ فيه حركاتُ بني آدم، على عاقبةِ تلك الأفعالِ وجزائِها (١).
٢ - ٣ - قولُه تعالى: ﴿إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾: هذا جوابُ القَسَمِ، والمعنى: إنَّ الأصلَ في الناسِ أنهم في نقصٍ وهَلَكَة، ويخرجُ من هذه الصِّفةِ من اتصَفَ بصفاتٍ أربع: معرفةُ الحقِّ، وهو قولُه: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، والعملُ به، وهو قولُه: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾، وتعليمُه لمن لا يُحسِن، وهو قوله: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ (٢)، والصبرُ عليه، وهو قولُه: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ من حبسِ
_________
(١) وردَ في تفسيرِ العصرِ أقوالٌ، وتفسيره بالدهر هو أعمُّ الأقوالِ وأشملُها، وهو قولُ الحسن من طريق معمر، وورد أنه وقت العَشِي، وهو آخر ساعاتِ النهار، وقد ورد التفسير بذلك عن ابن عباس من طريق العوفي.
قال الطبري: «والصوابُ من القول في ذلك أن يقال: إنَّ ربَّنا أقسمَ بالعصر، والعصر: اسم للدَّهر، وهو العَشِي، والليل والنهار، ولم يخصِّص مما شمله هذا الاسم معنًى دون معنى، فكل ما لزِمه هذا الاسم، فداخلٌ فيما أقسمَ الله به جلَّ ثناؤه».
ومن هنا فإنَّ سببَ الاختلاف هو الاشتراكُ اللغوي في لفظِ العصر، فهو يطلقُ على عدَّة معانٍ، وبهذا يرجع الخلافُ إلى أكثر من معنى، وكل هذه الأقوال محتملٌ كما قال الطبري، غير أن القولَ بأنه الدهر يظهرُ فيه شموله للأوقات كلِّها، والله أعلم.
(٢) فسَّر الحسن الحقَّ بأنه كتابُ الله، وهذا تفسيرٌ صحيح؛ لأنَّ القرآنَ حق، فهما كالشيءِ الواحدِ، فعبَّر الحسن عن المسمَّى بأحدِ معانيه التي يحتمِلُها، ولو قيل: وتواصوا بما جاء عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أو وتواصوا على طاعة الله، لصحَّ ذلك، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon