٣ - ٤ - قولُه تعالى: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ *الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوفٍ﴾؛ أي: ليعبُدوا ربَّ المسجدِ الحرام الذي سدَّ جوعَهم بالإطعام، وأمَّنهم من الخوف، فلا يعتدي عليهم أحدٌ، ولا يقع عليهم من المرضِ ما يذهبُ بهم، ولا غيرِها من المخُوفات (١)، والمعنى إن
_________
= بهذه اللام، فأدخلوها في الكلام للتعجُّب اكتفوا بها دليلاً على التعجُّب من إظهار الفعل الذي يجلبُها، كما قال الشاعر:
أغرَّكَ أن قالوا لِقُرَّةَ شاعراً
فيا لأَبَاهُ مِنْ عَريفٍ وشاعرِ
فاكتفى باللام دليلاً على التعجب من إظهار الفعل، وإنما الكلام: أغرَّك أن قالوا: أعجبوا القُرَّة شاعراً فكذلك قوله: ﴿لإِيلاَفِ﴾».
أما القول بارتباطِها بسورة الفيل ففيه نظرٌ من جهة انفصالِ كلِّ سورة عن أختِها، قال الطبري: «وأما القول الذي قاله من حكَيْنا قولَه أنه من صِلة ﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَاكُولٍ﴾، فإن ذلك لو كان كذلك، لوجبَ أن يكون «لإيلاف» بعض «ألم تر»، وأن لا تكون السورة منفصِلة من «ألم تر».
وفي إجماع جميعِ المسلمين على أنهما سورتان تامَّتان، كل واحدةٍ منهما منفصلة عن الأخرى، ما يبيِّن فسادَ القول الذي قاله من قال ذلك. ولو كان قوله: ﴿لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ﴾؛ من صلة: ﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَاكُولٍ﴾، لم تكن ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ تامَّة حتى توصَل بقوله: ﴿لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ﴾، لأن الكلامَ لا يتم إلاَّ بانقضاء الخبر الذي ذُكِر».
(١) ورد عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة رَبْطُ هذه الآية بدعوة إبراهيم عليه السلام، حيث قال: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً﴾ [إبراهيم: ٣٥]، وقال: ﴿وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ [البقرة: ١٢٦]، وفسَّرها ابن زيد بقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [القصص: ٥٧].
وقد ورد تفسير الخوفِ على أن معناهُ: آمنَهم من العدوِّ والغاراتِ والحروبِ التي كانت العربُ تخافُ منها. ورد عن مجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقتادة من طريق سعيد ومعمر، وابن زيد.
وقد ورد في تفسيره أنه الجُذام، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق سعيد بن جبير، وسفيان الثوري من طريق مهران، والضحاك بن مزاحم، وفي سنده غرابة؛ لأنه سند ابن أبي نجيح عن مجاهد، ويظهر أن الناسخ لتفسير ابن جرير وقع في سَبْقِ عَين، والله أعلم. =