مُبْغِضَهُ هو المنقطِعُ عن كلِّ خير، بخلافِكَ أنتَ فيما أعطاكَ اللَّهُ من الخير (١).
_________
= معنى ذلك: فاجعل صلاتَك كلَّها لربِّكَ خالصاً دون ما سواه من الأندادِ والآلهة، وكذلك نحركَ اجعله له دونَ الأوثان، شكراً له على ما أعطاك من الكرامةِ والخيرِ الذي لا كُفْءَ له، وخصَّكَ به من إعطائه إياكَ الكوثر.
وإنما قلت: ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك؛ لأن الله جلَّ ثناؤه أخبر نبيَّه صلّى الله عليه وسلّم بما أكرمَه به من عطِيَّتِه وكرامتِه وإنعامِه عليه بالكوثر، ثم أتبع ذلك قوله: ﴿فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ﴾، فكان معلوماً بذلك أنه خصَّه بالصلاة له والنحر على الشكرِ له على ما أعلمَه من النعمة التي أنعمَها عليه بإعطائه إياه الكوثر، فلم يكن لخصوصِ بعض الصلاة بذلك دون بعضٍ، وبعضِ النحر دون بعضٍ وجهٌ، إذ كان حثًّا على الشكر على النِّعَمِ.
فتأويل الكلام إذن: إنا أعطيناك يا محمد الكوثر، إنعاماً منَّا عليكَ به، وتكرِمةً منَّا لك، فأخلِص لربِّك العِبادة، وأَفْرِدْ له صلاتَك ونُسُكَك، خلافاً لما يفعله من كَفَرَ به، وعبدَ غيره، ونحر للأوثان».
وقال ابن كثير عن الأقوال الأخرى: «كلُّ هذه الأقوال غريبة، والصحيح القول الأول، أن المراد بالنحر ذبح النسائك...».
(١) اختلف السلفُ في من نزلت هذه الآيات على أقوال:
الأول: نزلت في العاص بن وائل السَّهْمي، ورد ذلك عن ابن عباس من طريق علي بن أبي طلحة والعوفي، وسعيد بن جبير من طريق هلال بن خباب، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح، وقتادة من طريق معمر وسعيد.
الثاني: نزلت في عقبة بن أبي مُعيط، ورد ذلك عن شمر بن عطية.
الثالث: نزلت في جماعة من قريش، ورد ذلك عن عكرمة.
قال الطبري: «وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذِكرُه أخبرَ أنَّ مُبْغِضَ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم هو الأقلُّ الأذلُّ المنقطِعُ عَقِبه، فذلك صفةُ كل من أبغضَه من الناس، وإن كانت الآية نزلت في شخصٍ بعينه».
ومرادُ الإمام هنا أن العبرةَ بعمومِ اللفظِ لا بخصوصِ السبب، ويكون السببُ المذكور مثالاً لذلك العموم في اللفظ، وهذا هو الصواب، وهو حملُ هذه النزولاتِ المذكورة على التمثيل، وإبقاءُ اللفظِ على عمومِه، فيدخلُ فيه كلُّ من أبغضَ النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم إلى يوم القيامة، والله أعلم.