٢٢ - قولُه تعالى: ﴿لِلطَّاغِينَ مَآبًا﴾؛ أي: إنَّ جهنَّم للذين تجاوَزوا الحدَّ في العِصيان حتى بلغوا الكُفر، مرجِعٌ ومصيرٌ يَصيرون إليه ويَستقِّرون فيه.
٢٣ - قولُه تعالى: ﴿لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾؛ أي: إنَّ هؤلاءِ الطاغينَ ماكِثونَ ومقيمونَ في النار أزماناً طويلةً تِلْوَ أزمانٍ لا انقطاعَ لها (١).
_________
(١) ورد عن بعض السلف ـ كالحسن وقتادة والربيع بن أنس ـ تحديد مدة الحِقْب، ومع ذلك نبَّهوا على أن هذه الأحقاب تتوالى على الكافرين فلا تنتهي، وهذا يرفع ما يورده بعض من استدل على فناء النار بهذه الآية، وذلك أنه وإن كان للحِقْب مدة محدَّدة، لكن الله أطلق هذه الأحقاب فلم يقيِّدها بعدد، فصدَقَ عليهم أنهم يمكثون في النار أحقاباً لا حصر لها، كما لو قيل: لابثين فيها سنين، فهذا لا يمنع الخلود، فهم يصدق عليهم أنهم يلبثون سنين، لكن لا حصر لها.
وفيه توجيه آخر ذكره الطبري، فقال: وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك: لابثين فيها أحقاباً في هذا النوع من العذاب، هو أنهم: ﴿لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا *إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا﴾ [النبأ: ٢٤ - ٢٥]، فإذا انقضت تلك الأحقاب، صار لهم من العذاب أنواع غير ذلك؛ كما قال جل ثناؤه في كتابه: ﴿هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ (٥٥) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ (٥٦) هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ (٥٧) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ [ص: ٥٥ - ٥٨]، وهذا القول عندي أشبه بمعنى الآية.
وقد ذكرَ الإمام الطبري عن مقاتل بن حيان أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَابًا﴾ [النبأ: ٣٠]، ثم قال: «ولا معنى لهذا القول؛ لأن قوله: ﴿لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾ [النبأ: ٢٣] خبر، والأخبار لا يكون فيها نسخ، وإنما النسخ في الأمر والنهي».
ولو حُمل كلام مقاتل على مفهوم النسخ عند السلف ـ وهو مطلقُ الرفع لشيء من معنى الآية أو حُكمها، وهو أعمُّ من المصطلح الذي ذكره الطبري ـ لَما كان في الأمر إشكال، ويكون مراد مقاتل أن الآية الأخرى تبيِّن أنهم إذا انتهوا من العذاب في هذه الأحقاب، فإنه يزاد عليهم العذاب بعد ذلك، وهذا هو معنى التوجيه الثاني الذي ذكره الطبري واختاره.
ويظهر من هذا المثال وغيره أن الإمام الطبري رحمه الله تعالى لم يكن يُعمِل مصطلح السلف في النسخ، ولذا كان يعترض على مثل هذا المثال، وفي هذا فائدة علمية ذات خطر، وهي أن تعرفَ مصطلحَ كل قوم، ولا تحمل كلامهم على مصطلح غيرهم، فتقع في الخطأ، وأعظم ما يكون الخطأ إذا حُمِلَتْ ألفاظ القرآن والسنَّة على مصطلحات =