وعملَ به في الدنيا. وأعظمُ الحقِّ قول لا إله إلا الله، والعمل بها (١).
٣٩ - قولُه تعالى: ﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا﴾؛ أي: ذلك اليومُ الذي يقومُ فيه الروحُ والملائكةُ، هو اليومُ الكائنُ الثابتُ الذي لا شكَّ فيه، فمن أرادَ منكم أيها العبادُ النجاةَ في ذلك اليوم، فليتَّخذ من الأعمالِ الحسنة ما يكونُ له سبيلاً ومرجِعاً يرجِعُ به إلى الله سبحانه (٢).
٤٠ - قولُه تعالى: ﴿إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَالَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾؛ أي: إنَّا حذَّرناكم أيها العباد (٣) عذاباً قد دنا منكم وقَرُب، وذلك كائنٌ يومَ ينظرُ المرءُ منكم إلى أعماله التي قَدِمَ بها إلى الله، ويومَ يتمنَّى الذي لم يؤمن بربِّه وكَفَرَ به أن لو جُعِلَ تُراباً، كما يصيرُ للبهائم في ذلك اليوم (٤)، والله أعلم.
_________
= والملاحظ أن ابن جرير لم يعمل بهذا في هذا الموضع، كما أنه رحمه الله تعالى لا يميز ـ في الغالب ـ بين طبقات السلف الثلاث (الصحابة والتابعين وأتباعهم) في التعامل معهم وترجيح أقوالهم؛ أي: لا يقدِّم قول الصحابي دائماً، بل قد يختار عليه قول التابعي، أو تابع التابعي، وهذا المنهج يحتاج إلى دراسة.
(١) قال مجاهد في تفسير ﴿صَوَابًا﴾: «قال حقّاً في الدنيا وعمل به». وفسَّر الصواب بلا إله إلا الله، كل من ابن عباس من رواية علي بن أبي طلحة وأبي صالح مولى أم هانئ، وعكرمة من طريق الحكم بن أبان.
(٢) وردَ عن قتادة من طريق معمر: ﴿لِلطَّاغِينَ مَآبًا﴾ سبيلاً. وهذا تفسيرٌ بالمعنى؛ لأن المآب: المرجِع، والسبيل: الطريق إلى هذا المآب، فلا وصول إلى هذا المرجع إلا بسلوك السبيل، وهو الأعمال الصالحة، ففسَّر قتادة بلازم اللفظ، لا بمطابقه، والله أعلم.
(٣) قال الحسن البصري في ﴿الْمَرْءِ﴾: المرء المؤمن. وكأنه لما ذكر الكافر بعده، جعل ذلك مقابلاً له، ولو فُسِّر المرء بعمومه فشمل الكافرَ والمؤمنَ، لكان صواباً، والله أعلم.
(٤) وردت آثار في ذلك عن عبد الله بن عمرو، وأبي هريرة، وأبي الزناد، وقد أورد الطبري في ذلك حديثاً، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أسنده أبو هريرة، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon