يتطهَّر من الكُفر والتجبُّر، فيُسْلِم لله (١).
١٩ - قولُه تعالى: ﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾؛ أي: أدلُّكَ وأرشدُكَ إلى الطريق الموصلِ لمن ملَكَكَ بربوبيته، وهو الاستسلام لله، فيخضعُ قلبك ويلينُ ويُطيع، بعد أن كان قاسياً بعيداً عن الخير (٢).
_________
(١) عبَّر عكرمة عن التزكي بأن يقول: لا إله إلا الله، وهذا أول ما يدخل به المتزكي الإسلام، وقال ابن زيد: أن تُسلِم، قال: «والتزكِّي في القرآن كله: الإسلام، وقرأ قول الله: ﴿وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى﴾، قال: من أسلم، وقرأ: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى﴾ [عبس: ٣]، قال يُسلِم، وقرأ: ﴿وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى﴾ [عبس: ٧]: أن لا يُسلِم». وفي هذا فائدتان:
الأولى: أن السلف يَرِدُ عنهم مثل هذه الكليَّات التفسيرية، وهي تحتاج إلى جمع، ثم استقراء مواقعها في القرآن، للنظر في تطابق هذه الكليَّة على جميع الآيات، فتكون بعد ذلك مصطلحاً قرآنياً في اللفظة.
الثانية: أن ابن زيد يُكثر من ذكر النظائر القرآنية، وهو مِمَّا يُدخل بتفسير القرآن بالقرآن، وهذه المسألة صالحة للدراسة لمعرفة طريقة ابن زيد في هذا الأسلوب التفسيري.
(٢) علَّق ابن القيم في كتابه (التِّبيان في أقسام القرآن: ٨٨) على ما في هاتين الآيتين من لِين الخطاب، أنقله بطوله لما فيه من الفائدة. قال: «ثم أمره أن يخاطبَه بألْيَن خطابٍ، فيقول: ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى *وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾ [النازعات: ١٨ - ١٩]، ففي هذا من لُطف الخطاب ولِينه وجوه:
أحدها: إخراجُ الكلامِ مخرجَ العَرْضِ، ولم يخرجه مخرج الأمرِ والإلزام، وهو ألطف، ونظيره قول إبراهيم لضيفه المُكْرَمين: ﴿أَلاَّ تَاكُلُونَ﴾ [الذاريات: ٢٧]، ولم يقل: كلوا.
الثاني: قوله: ﴿إِلَى أَنْ تَزَكَّى﴾، والتزكي: النماء والطهارة والبركة والزيادة، فعرض عليه أمراً يقبله كل عاقل ولا يردُّه إلا كل أحمقٍ جاهل.
الثالث: قوله: ﴿تَزَكَّى﴾ ولم يقل: أزكِّيك، فأضاف التزكية إلى نفسه، وعلى هذا يُخاطَب الملوك.
الرابع: قوله: ﴿وَأَهْدِيَكَ﴾؛ أي: أكون دليلاً لك، وهادياً بين يديك. فنسب الهداية إليه، والتزكي إلى المخاطب؛ أي: أكون دليلاً لك وهادياً، فتزكى أنت، كما تقول للرجل: هل لك أن أدُّلك على كنز تأخذ منه ما شئت؟ وهذا أحسن من قوله: أعطيتك.
الخامس: قوله: ﴿إِلَى رَبِّكَ﴾، فإن في هذا ما يوجب قَبول ما دلَّ عليه، وهو أن يدعوه ويوصله إلى ربه: فاطره وخالقه الذي أوجده، وربَّاه بنعمه: جنيناً، وصغيراً، وكبيراً، وآتاه الملك. وهو نوع من خطاب الاستعطاف والإلزام: كما تقول لمن خرج عن طاعة =


الصفحة التالية
Icon