٤ - قولُه تعالى: ﴿وإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ﴾؛ أي: وإذا النُّوقُ الحوامِلُ التي بلَغت الشهرَ العاشرَ من حَمْلِها، التي هي أنفسُ أموالهم، قد أهملَها أهلها وتركوها من هَوْلِ الموقف (١).
٥ - قولُه تعالى: ﴿وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ﴾؛ أي: وإذا الحيواناتُ البرِّيَّة التي لم تأنسْ بالإنسان جُمِعت معه وزالَ ما بينهما من الاستيحاشِ بسبب هَوْلِ الموقف (٢).
_________
= وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا﴾، وجاء الفعلُ على صيغة المفعول للاهتمام بالحَدَثِ، وللدلالة على أن هذا الفعل يكون مبدؤه بفعلِ فاعلٍ فيها، ثم إنها تنفعلُ لهذا الحدَث فتسير؛ كما قال تعالى: ﴿وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا﴾، ويظهر أن هذه أولُ حالٍ من الأحوال التي تمرُّ بها الجبال في ذلك اليوم، والله أعلم.
(١) كذا قال السلف: أُبيُّ بن كعب من طريق أبي العالية، والربيع بن خثيم، ومجاهد من طريق ابن أبي نجيح وأبي يحيى، والحسن من طريق عوف، وقتادة من طريق معمر، والضحَّاك من طريق عبيد المكتب.
(٢) اختلف السلف في تفسير عبارة الحشر هنا:
١ - فجعله ابن عباس من طريق عكرمة: الموت، وقال الربيع بن خثيم: أتى عليها أمرُ الله.
٢ - وقال أُبيُّ بن كعب من طريق أبي العالية: اختلطت.
٣ - وفسَّره قتادة من طريق سعيد بالجمْعِ، قال: «هذه الخلائقُ موافيةٌ يومَ القيامة، فيقضي الله فيها ما يشاء». وهذا تفسيرُ معنى، ولم ينص فيه على مدلول اللفظ مطابَقَةً، لكن يفهم من قوله أن الحشرَ الجمعُ، والله أعلم.
وقد رجَّح الإمام ابن جرير قول قتادة وأردفَه بقول ابن عباس فقال: «وأَوْلى الأقوالِ في ذلك بالصواب، قولُ من قال: معنى حشرت: جُمعت، فأميتت؛ لأن المعروفَ في كلام العربِ من معنى الحشر: الجمع؛ ومنه قول الله: ﴿وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً﴾ [ص: ١٩]؛ يعني مجموعة، وقوله: ﴿فَحَشَرَ فَنَادَى﴾ [النازعات: ٢٣]، وإنما يُحمل تأويلُ القرآنِ على الأغلب الظاهر من تأويله، لا على الأَنْكَرِ المجهول».
ولعلَّكَ تلاحظُ أنه استشهد لمعنى الجمع، ولم يستشهد لمعنى الموتِ الذي ذكره في أولِ كلامه! وتفسيرُ ابن عباس يظهر منه أن هذه الدلالة اللغوية للحشر مختصَّة بحشر الحيواناتِ في آخر الزمانِ، حيث قال: «حَشْرُ البهائم: موتها، وحَشرُ كل شيء: =